مقالات

.التوافق المستحيل من العراق إلى لبنا..سناء الجاك

ارتفع منسوب الغموض في المشهد السياسي العراقي بعد تقديم نواب مقتدى الصدر استقالاتهم من البرلمان، جراء العجز عن المضي بالخطوات الدستورية اللاحقة للانتخابات النيابية طوال ثمانية أشهر، والقاضية بتشكيل حكومة تدير البلاد.

وفي حين وصف الصدر خطوته هذه، بأنها “تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول”، يبقى المجهول على حاله، وتُطرح تساؤلات كثيرة حول السيناريوهات الممكنة مع هذا التحول المفاجئ في المشهد البرلماني والسياسي العراقي.

ولعل أبرز ما تحمله هذه التساؤلات هو مسارعة البعض إلى التلميح بأن المطلوب تغيير النظام الحالي للعراق للخروج من هذه الأزمة وغيرها، على اعتبار أن كل ما جرى ويجري بعد القضاء على حكم صدام حسين يشكِّل درب انحدار للعراق ويقود إلى الانهيار التام، لذا بات من الضروري البحث عن صيغة جديدة تلبي احتياجات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتشكل عامل انقاذ لا بد منه.

ولكن، هل يمكن القول إن المشكلة في العراق هي مشكلة نظام؟

أساسا، هل طبق النظام المهدد برمته منذ انتهاء عهد صدام حسين؟

بالطبع لا. وذلك لأن القرار قضى باستخدام العراق ساحة متفجرة لتغيير خرائط المنطقة.

بالتالي لا تكمن العلة في النظام، ولكن في هذا القرار الذي لم يقتصر على العراق، بل امتد إلى لبنان، الواقف على شفير انهيار جديد مع بوادر تعثر تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، وما سوف يلحقها من فراغ رئاسي، إذا بقيت التجاذبات على حالها، ما يدفع أيضا بالكثيرين إلى طرح ضرورة تغيير النظام الذي أرساه اتفاق الوفاق الوطني في الطائف لإنهاء الحرب الاهلية، والذي لم يطبق حتى تاريخه.

مرة جديدة العلة ليست في النظام، وانما في تحويل العملية السياسية إلى عملية ابتزاز بالسلاح خارج الدولة وبالتفرقة المذهبية وبحماية من ينهب مقدرات هاتين الدولتين بأساليب متشابهة، ويعمل على افقار اللبنانيين والعراقيين ليخضعوا ويفكروا برغيف الخبر، وليس بغيره، مع خوف مستمر من الحروب والفوضى الأمنية.

وحدها، هذه المعادلات الذهبية القائمة على الابتزاز هي ما يجعل الانتخابات النيابية بلا جدوى، وهي ما يدفع الفائزين، إما إلى الاستقالة كما حصل مع مقتدى الصدر في العراق، وإما إلى الانصياع كما حصل مع الأكثرية التي كانت رافضة لحزب الله ومحور إيران في لبنان منذ العام 2005.

فهذا الرفض غالبا ما تمت مواجهته، إما باستخدام ما تيسر من القوة والعنف ضد الفائزين لتغيير نتائج الانتخابات، وإمّا التعطيل السياسيّ الذي يقوده الممثل الشرعي للمحور الإيراني، من بغداد إلى بيروت، ليتمكن من فرض حكومات توافقية بالاسم وتعطيلية في المضمون.

كذلك يستخدم العنف لقطع الطريق على صعود السخط الشعبي وإحياء الحركات الاحتجاجية. ففي العراق كان القنص وكذلك الاغتيالات وسيلة ناجحة لقمع المحتجين العراقيين، وفي لبنان كان الرصاص المطاطي الذي يستهدف عيون المتظاهرين فعالا لإجهاض انتفاضة الشارع بوجه المنظومة الحاكمة، وإرهاب المحتجين بهتافات “شيعة.. شيعة” لتحويل المطالب المحقة إلى مشروع فتنة مذهبية.

من هنا يبدو طرح تغيير النظام، سواء في العراق أو لبنان للخروج من الأزمات المتلاحقة التي تشل الحياة السياسية، مجرد وسيلة إلهاء عن الواقع الحقيقي. فالغرق في حوارات ومفاوضات والبحث عن تفاهمات جديدة، هو ما يريح من يتحكم بهذا النظام، أما المطالبة برفع اليد الإيرانية عن الدولة، فهو المحرم والممنوع، ومن يطالب بمثل هذه الهرطقات يجب القضاء عليه من دون تردد او مماطلة.

ومن هنا كانت وصية حزب الله للنواب المتمردين على اصطفاف الأحزاب الكبرى في لبنان، تقضي بالابتعاد عن السياسية للاهتمام بالأزمات المعيشية، وبعدم طرح مسألة سلاح الحزب الخارج عن الشرعية والدستور.

بالتالي، فإن استقالة النواب الصدريين، أو استقالة نواب التغيير في لبنان لا تقدم أو تؤخر في المشهد السياسي في البلدين، لأن الرأس في طهران لا يزال يتحكم، بالتالي تبقى الأذرع في بغداد وبيروت قادرة على تنفيذ الاجندات التي تجعل التوافق على الإنقاذ مستحيلا من العراق إلى لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى