الحكومة تعتزم المضي بجولة تراخيص جديدة للغاز العراقي.. ماذا ستضيف؟
متابعة/ المدى
تخطط الحكومة لجولتين جديدتين من التراخيص في قطاع الطاقة، بهدف إيقاف حرق الغاز وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه لتشغيل محطات الكهرباء التي تشهد حاجة متزايدة للوقود، في ظل تحديات انقطاع الغاز الإيراني، ومشاكل التسديد المالي بسبب العقوبات الأمريكية، والطلب المتزايد على الطاقة.
وكان مجلس الوزراء قد صادق في آب الماضي، على عقود جولتي التراخيص الخامسة التكميلية والسادسة، البالغة 14 مشروعا للتوقيع النهائي والمباشرة بتفعيلها.
ويقول عضو لجنة النفط والغاز النيابية، النائب باسم الغريباوي، إن “الفترة القادمة ستشهد جولة تراخيص خامسة تمنح معظمها لحقول حدودية نفطية وغازية، بينما تتركز الجولة السادسة حول حقول غازية بشكل كبير”.
ويضيف الغريباوي، أن “هناك 15 حقلا أغلبها في المنطقة الغربية لم تتم إحالتها الى أي جهة خلال الجولتين السابقتين، وبالتالي يمكن حصول أكثر من جولة جديدة من أجل إحالتها للاستثمار، بسبب حاجة العراق الماسة لاستثمار الغاز بسبب مشاكل الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز الإيراني، الذي ينقطع بسبب حاجة طهران له تارة، وتارة أخرى بسبب العجز عن تسديد الديون المترتبة على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها”.
ويوضح أسباب التوجه الحكومي نحو استثمار الغاز، بـ”تجدد الحاجة الماسة له نتيجة شح الغاز الإيراني في أوقات الذروة، ما يدفع وزارة النفط لاستخدام زيت وقود الكاز كبديل له، الأمر الذي خلق أزمة في محطات الوقود بالنسبة للعجلات”، مشيرا إلى أن “وزارة النفط في المحصلة تبذل جهودا لتسويق الحقول الغازية المتبقية أمام الشركات العالمية من خلال سفر الوزير إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، كان قدم خلالها دعوات للشركات”.
ويتابع عضو اللجنة النيابية، أن “المحافظات المستهدفة في جولات التراخيص القادمة هي محافظات غرب العراق التي لم تشمل في الجولات بالتقديم على حقولها لتبقى دون إحالة، وينصب الجهد خلال الفترة القادمة على ضرورة إحالتها واستثمارها بالشكل الأمثل”.
وأطلقت الجولة الخامسة التكميلية والسادسة في بغداد بين 11- 13 أيار الماضي، وبحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث تنافست عليها 22 شركة من جميع أنحاء العالم لم تكن بينها شركة أمريكية، فيما كسبت عقودها شركات صينية وشركة عراقية واحدة، بنسب ربح مختلفة بعد النفقات الاستثمارية التي وصلت إلى 30 بالمئة.
يشار إلى أن العراق يتميز بموقعه ضمن أهم المناطق الاستراتيجية في صناعة النفط والغاز عالميا، نظرا لما يمتلكه من جغرافيا استراتيجية مهمة واحتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية، تتيح له فرصا متميزة للاستثمار والتنمية في هذا القطاع الحيوي.
من جهته، يرى الأكاديمي والمختص النفطي، كوفند شيرواني، أن “ما تبقى من جولة التراخيص الخامسة الملحق والسادسة هي 15 فرصة استثمارية بينها 10 رقع استكشافية غازية تم عرضها من قبل الوفد الحكومي الذي زار الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا على الشركات الأمريكية الكبرى”، مبينا أن “الجولات الجديدة ستركز بشكل كبير على استثمار الغاز الطبيعي الذي لم يلق اهتماما مستحقا منذ عقدين من الزمن بالرغم من كونه ثروة ضخمة توازي النفط بأهميته الصناعية ومجالات الطاقة والأسمدة، والعراق يمتلك خزينا كبيرا منه، حيث يمثل الاحتياطي الذي يقدر بـ143 تريليون قدم مكعب، ولا يزال الكثير من الغاز الحر غير مستثمر، كما يستمر حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية، وهي ثروة تقدر بملايين الدولارات تهدر”.
وينتقد شيرواني، تركيز الجولات السابقة على “النفط، وعدم الاهتمام بالغاز واحتياطاته الضخمة التي تضع العراق بالمرتبة 13 على مستوى العالم ليستمر بالحرق والهدر رغم كل جهود وزارة النفط لاستثماره بنسبة 65 بالمئة، كما أن المتبقي منه يتم حرقه بنسبة 35 بالمئة في وقت يجب استغلاله كليا لوقف الاستيراد من إيران أو دول آسيوية بعيدة”، موضحا أن “الاستثمار الكلي للغاز سيجعل العراق مكتفيا ذاتيا خلال أربعة إلى خمسة أعوام، وبعدها يتم تصدير الفائض لأسواق أوروبا الغربية التي قطع عنها الغاز الطبيعي لترتفع أسعاره إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية”.
ويعزو التأخر في إحالة تلك الحقول النفطية والغازية حتى الآن، إلى “كونها الأقل جذبا من سابقاتها، من خلال عدم تأمين المناطق الحدودية بشكل كامل، فضلا عن افتقار بعضها للبنى التحتية كخطوط المواصلات والأمور اللوجستية، أو كونها غير واعدة بكميات كبيرة من الغاز والنفط، لأن كل شركة تحصل على حقيبة معلومات عن الفرصة الاستثمارية لتقوم بدراستها قبل تقديم عروضها”.
ويلفت إلى “اعتماد الوزارة في الجولتين السابقتين، لصيغة جديدة بالتعاقد مع المستثمرين، تتمثل بتقاسم الأرباح، وليس من خلال عقود الخدمة المعتمدة سابقا، ما قد يحقق للشركات أرباحا واستفادة أكبر في حال ارتفاع أسعار النفط عالميا، ولذا فإن استحداث الوزارة لهذا النظام بجولات التراخيص جاء لتقوية أساليب الجذب للشركات، وهو ما أدى لحصول شركة محلية أيضا على منطقتين أو ثلاث مناطق استثمارية، ما يعني وصول بعض الشركات المحلية لمستويات متقدمة باستثمار المشاريع النفطية”.
وينوه الأكاديمي المختص بالنفط، إلى أن “الوزارة لم توفق لغاية الآن في مسألة حل تصدير نفط إقليم كردستان بالرغم من مرور عام ونصف على الإيقاف بغياب الحلول الفنية والمالية والإدارية مع وزارة الثروات في الإقليم والشركات الأجنبية التي تعمل بالإنتاج والنقل، وهو ما أدى لتحقق أضرار كبيرة تتجاوز 16 مليار دولار لغاية الآن في وقت يمكن استثماره كمنفذ مفيد للنفط مع عدم استقرار للشحنات النفطية عبر البحر الأحمر والسويس للمستوردين في أوروبا الغربية وشمال أمريكا”.
ويستطرد “منفذ ميناء جيهان التركي يمكنه أن يمثل الخيار الأمثل لتصدير النفط العراقي لتلك المناطق الغربية كما تكمن أهميته بزيادة المنافذ التصديرية إلى العراق لتجنب أية أزمات قد تحصل بمناطق تصديرية أخرى، ما يعني استمرار الصادرات وباستقرار وتأمين كلي لها في كل الأوقات”.
يذكر أن العراق قد استغرق فترة ست سنوات من أجل التحضير لجولة التراخيص التي عقدت منتصف العام الجاري 2024 بعد إجراء العديد من الورش للشركات ومراجعة نوعية العقود من خلال تغيير نسبة الملكية ونسبة الشركات من أرباح الاستثمارات في تلك الحقول.
وكان وزير النفط حيان عبد الغني، قد استبق جولة التراخيص بترجيحه أن تحقق استثمارات جولتي التراخيص، زيادة تصل إلى ثلاثة آلاف مليون قدم مكعب من الغاز لتسهم في وضع حد لمشكلة الطاقة المزمنة.
من جانبه، يبين الأكاديمي والباحث في مجال الطاقة، بلال خليفة، أن “التأخير بعدم استغلال الحقول التي لم تتم إحالتها في الجولة الخامسة والسادسة، هو خسارة، لأن الشركات التي تشغل هذه الحقول عبر الجولات السابقة، باتت تستخرج النفط دون تصديره منها”، مبينا أن “حقلين من الحقول الستة وهي انجانه – خشم أحمر وحقل كلابات- كمر هما غازيين والعراق محتاج وبشكل كبير للغاز”.
ويوضح خليفة، أن “أربعة حقول من الستة وهي الحدودية تعتبر حقولا نفطية، واستغلالها من قبل شركات استثمارية يجب أن يصاحبه تصدير من الحقول، وإلا فالعراق يدفع أجورا ربحية بالرغم من عدم تصديره للنفط في حال لم ترفع أوبك حصة العراق، والبالغة نحو أربعة ملايين و400 ألف مع الإقليم”، لافتا إلى أن “العراق وقع عقود التراخيص عام 2009 والآن مضى على ذلك 14 سنة، ومن المفروض امتلاكه الخبرة الكافية الآن في إدارة الحقول باحترافية الشركات الأجنبية”.
وينوه “إذا تعذر تخصيص الأموال من الموازنة العامة الاتحادية، فبإمكانه الذهاب إلى الاقتراض كما تفعل الشركات النفطية العالمية لتجنب الهدر الكبير بالمال العام، وخصوصا أن وزارة النفط أعلنت قبل شهر تقريبا تأسيس شركة الخدمات النفطية، وكان من الأولى أن تضع في أولى مهامه هي إدارة وتشغيل تلك الحقول”.
ويتابع، أن “شركة الهلال الإماراتية التي فازت بثلاثة عقود مؤخرا تمتلك عقودا في الإقليم، تخالف الدستور، في حين أن المحكمة الاتحادية قضت في وقت سابق بوجوب عدم تعامل الحكومة مع أي شركة لديها تعامل أو تعاقد مع الإقليم، أما الشركة الصينية جيوجياد فهي صغيرة وغير معروفة”، داعيا إلى “الاستغناء عن التعاقد مع شركات دول الجوار، لأنه ينطوي على محاذير، واستبدالها بشركات عالمية”.
وينصح خليفة، بأن “تسلك وزارة النفط الحل الوسط المتمثل بالاستعجال في استغلال وتشغيل تلك الحقول الحدودية والغازية وللأسباب الموضحة سلفا، لكن ليس مع الشركات الأجنبية، بل بالجهد الوطني مع إعطاء هيئة التشغيل لتلك الحقول صلاحيات واسعة كصلاحيات الشركات الأجنبية وتحريره من قيود التعليمات والضوابط”.
ويؤشر “فشل جولات التراخيص الأخيرة في إحالة الحقول الغازية كما فشلت في إحالة الحقول الحدودية، في ظل عجز العراق عن سد احتياج المحطات الكهربائية له للتوليد”، مشددا على “ضرورة حصر الجولات القادمة بالغاز فقط، وإلا فستكون غير نافعة، كما يجب إدراج الحقول البحرية للعراق مع الخليج لأن الأطراف المحاذية لها تقوم باستغلالها دون فائدة للعراق”.
ويلفت إلى أن “العالم يتجه نحو الطاقة المستجدة والنظيفة والتقديرات، تقول إن استخدام النفط يقل بعد عام 2060، وبالتالي نحتاج استغلال النفط قبل انخفاض قيمته، في وقت يحتاج العراق لمزيد من الإيرادات، واقتصاده ريعي يعتمد على الإيرادات النفطية”.
وبشأن سلبيات جولات التراخيص، يرى أن “تصريح الحكومة الحالية في إعلانها عن قرب الاحتفال بتوقيع عقود جولة التراخيص الخامسة هو من أجل الغاز، وكان من الأولى الاهتمام بحقول جولة التراخيص الثالثة وبالخصوص حقل عكاز الغازي الذي يكون إنتاجه أكبر من الحقلين الغازيين مجتمعين، ليكون بديلا عن مد أنبوب غاز من بغداد الى الأنبار، وتكون الخسارة مضاعفة”.
يذكر أن واردات القطاع النفطي تمثل أكثر من 94 بالمئة من الناتج المحلي للعراق، الذي يعد ثاني أكبر دولة في حرق الغاز الطبيعي عالميا بعد روسيا، وبخسائر تقدرها الحكومة بنحو ستة مليارات دولار سنويا، حيث يعول رئيس الوزراء السوداني، خلال انطلاق التراخيص الأخيرة على حصول البلاد على نحو 3460 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز وأكثر من مليون برميل نفط يوميا، إضافة لزيادة الاستثمارات في المحافظات المستهدفة.