الخبز والشاي والسمك المسكوف أبرز ملامح “شارع العراقيين” في قُم الإيرانية
كأنك في مدن النجف القديمة حيث رائحة “الشاي المُهيّل وخبز التنور”، هكذا يصف العراقيون أحد شوارع ايران في مدينة قم والذي يسمى بشارع العراقيين لكثرة تواجدهم فيه.
ومدينة قُم هي إحدى مدن إيران التي تعتبر الحوزة العلمية الناطقة لها، وفيها المركز العلمي الديني الشيعي بعد النجف، تقع على بعد 157 كم جنوب العاصمة طهران، وتوجد بالمدينة العديد من المزارات الدينية وعلى رأسها ضريح السيدة فاطمة المعصومة بنت الامام الكاظم سابع ائمة الشيعة.
ويومياً، يقطع محمد أثناء تواجده في إيران/ محافظة قم مرتديا الكمامة المسافة الطويلة لغرض اداء الزيارة في مرقد السيدة فاطمة المعصومة، وبعد الانتهاء تأخده قدماه لا ارادياً لمكان ما بات يعرف بـ(شارع العراقيين).
يقول محمد ، إن “هذا الشارع الذي يُعرف بشارع العراقيين في مدينة قم، يشعر زائره العراقي انه وسط بلده، فاللغة السائدة هنا هي اللغة العربية، والطعام كذلك، فهو شارع متكامل الخدمات من كل النواحي”.
ويتابع، ” لا تصدق إن قلت لك، ان هناك أشخاصاً انقطعت بهم السبل في بلدي ولم التقِ بهم منذ سنين، وجدتهم جالسين على احد المصاطب في شارع انقلاب، او ما يعرف اليوم بــ(شارع العراقيين)”، مضيفا انه “على الرغم من مسافة الشارع التي ليست بطويلة إلا أنه بات رمزا سياحيا للعراقيين القادمين من بلدهم إلى الجمهورية الإسلامية الايرانية”.
ويضيف، “كان هذا الشارع في أعوام العقد الثاني من الألفية الحالية يشتهر بكثرة امور النصب والاحتيال والسرقة، بسبب سوء الوضع الاقتصادي في ايران نتيجة العقوبات التي فرضت عليها، وقد تعرض فيه الكثير من العراقيين لاعمال السرقة”، مؤكداً ان “السرقات كانت غالبيتها مالية، وفي بعض الاحيان المستمسكات الرسمية كالجوازات مثلاً”.
نجف ثانية
يوضح عدنان عزيز احد زائري الشارع، ان “شارع العراقيين في مدينة قم يعتبر ملتقاً للعراقيين جميعا هناك، وملتقاً ايضا للعراقيين الذين يحطون رحالهم لغرض السياحة الدينية، وذلك لانه يمتاز بقربه من ضريح السيدة فاطمة المعصومة وتوجد فيه العديد من المطاعم التي يجيد العاملون فيها اللغة العربية، وكذلك فنادق تتناسب مع كل الاوضاع الاقتصادية للقادمين إلى هنا”.
ويقول عزيز ان “العراقيين يلتقون في هذه المدينة بكثرة، لأنها مدينة تجمع أبناء البلد الواحد وكذلك هي قريبة في طرازها المعماري لمدينة النجف العراقية وأزقتها، ولذلك يجد الزائر عمق الترابط الروحي بين المدينتين”، موضحا ان “شارع العراقيين في هذه المدينة يمتاز بتواجد العاملين بالمجالات كافة، مثلا ما يحتاجه الزائر من تصريف للعملة والمطاعم ومكاتب السفر والشحن السريع، لا نبالغ ان قلنا هذا الشارع هو مدينة مصغرة للعراقيين وسط ايران”.
مخاطر السرقة
ويتابع عزيز “ولكن للاسف كما يوجد في الشارع الايجابيات فإنه لا يخلو من السلبيات، من ناحية تواجد ضعاف النفوس، حيث يعملون على النصب على العراقيين بتصريف العملة من خلال إعطاء عملة مزورة لهم”.
ويشير الى “بعض محال البقالة تستغل عدم معرفة العراقيين باللغة فتتم مضاعفة السعر عليهم وهنا لا بد من وقفة لهذا الشيء من قبل الحكومتين الايرانية بالأساس والحكومة العراقية في متابعة شؤون رعاياها في الدول الأًُخرى”.
وبين عزيز، انه” تعرض لسرقة هاتفه النقال ومبالغ مالية، ولكن ومع كل هذا فان هذه الاشياء لا تعكس الصورة الحقيقية لايران وشعبها”.
رمزية الحرب
يضيف عزيز، ان “مدينة قم تعتبر كبيرة ولا تقتصر على شارع العراقيين فقط، ولكن في هذا الشارع هناك رمزية للحرب التي حصلت بين الطرفين (العراق وايران خلال ثمانينيات القرن الماضي) من خلال ترويج الجانب الايراني لبعض من ضحاياه الذين سقطوا في هذه الحرب، ووضع نصب رمزية لهم عند مدخل الشارع المهم للعراقيين”، متوقعا ان” ايران بهذه الخطوة توضح انهم لم ينسوا هذه الحرب التي حصلت بين الطرفين”.
الشارع مر بمرحلتين
من الطرف الآخر، يعتقد عقيل الحربي، بأن” شارع العراقيين في قم مر بمرحلتين الاولى ما قبل 2003 ايام هجرة العراقيين الى ايران ابان حكم صدام حسين وتهجيره القسري واستقرارهم في قم وقد اسسوا لهذا المكان البسيط تسمية العراقيين لكثرة تواجدهم ولقائهم الشبه يومي فيه”.
ويوضح الحربي، ” اما المرحلة الثانية هي ما بعد 2003 وتفويج العراقيين لزيارة العتبات المقدسة ومن بينها السيدة معصومة التي جاورها شارع العراقيين، ما ان تدخل فيه حتى تشعر انك عدت سريعا الى مدينتك، فشاي (ابو عباس) الذي وضع يافطة مكتوب عليها شاي عراقي له نكهة خاصة، وسمك (ابو محمد) المسكوف ميكانيكا ايضا يذكرك بالكطان العراقي الذي هاجر من الجفاف الى هور الحويز”.
مضيفا” اما خبز (ام سعد) في التنور الغاز ووزارها الذي تلفه على خاصرتها يذكرك ببنات الريف الاصيلات وهي عربية اهوازية، وتتوغل في الشارع وتجد رجلا خمسينيا طويل القامة ذا شبية همّ اكثر العمر على وجهه ولحيته يناديك باللهجة المحلية (هلا بالعراقيين تفضل بعد اخوك)، وهو صراف جوال وما اكثرهم في سنتر الشارع المذكور “.
وينبه الحربي، الى ان “ما يلفت النظر هو القيمر الذي كتب عليه (گيمر عرب) القادم فعلا من عرب الاهواز يبعه رجل فارسي ذو لكنة عربية في الكلام تعلمها من الجالية بمرور السنين”، مبينا ان” الجميل في الموضوع ان الشارع توسع واحتل شارع الكعبة الذي ولد منه واصبح بطول كيلو متر بعد ماكان 200 متر فقط، يزدهر في فصل الصيف حتى تظن انك في مدينتك بحق”.