الراحل موريس المديوني… ابن وهران الذي أسس “البيانو الشرقي” وعشق الموسيقى العربية الأندلسية
كرس حياته للفن ولآلة البيانو. رحل موريس المديوني، الفنان الجزائري ابن مدينة وهران الذي ينحدر من أسرة يهودية عن عمر ناهز 95 عاما في صمت بإسرائيل تاركا وراءه إرثا موسيقيا غنيا باللغتين العربية والفرنسية. ولد المديوني في حي “الدرب” اليهودي بوهران وعاش فيها لغاية 1961. وعلى الرغم من استقراره على ضفاف المتوسط بمدينة مرسيليا، إلا أنه لم ينسى أبدا بلده الأصلي الجزائر والمدينة التي ترعرع ولعب فيها وهران.
نشرت في:
5 دقائق
“وهران، وهران لن أنساك، أنا أيضا أفكر فيك. وهران، وهران سنلتقي مرة أخرى وسنتبادل عشقنا إلى الأبد”. هكذا غنى موريس المديوني على مدينة وهران مسقط رأسه في غرب الجزائر حيث ولد في “حي الدرب” اليهودي في 1928.
رحل هذا الفنان، الذي بدأ حياته المهنية كخياط، في 29 مارس/آذار الماضي عن عمر ناهز 95 عاما، دون أن يلقي نظرة أخيرة على مدينة قلبه التي علمته الحياة والفن، لا سيما الموسيقى العربية الأندلسية و”الراي”. وتعلم في أحضانها أيضا العزف على آلة البيانو، ليؤسس بعد ذلك ما يسمى “البيانو الشرقي” وهو مزيج يجمع بين اللمسات العربية الأندلسية وإيقاعات السوينغ والجاز والأنغام اللاتينية.
من بين أبرز عازفي البيانو الشرقي
تم الإعلان عن وفاة موريس المديوني من قبل عائلته عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك. فارق الحياة في مدينة نتانيا الإسرائيلية حيث استقر بعد ما عاش فترة طويلة في فرنسا وبالتحديد في مرسيليا ابتداء من العام 1967 بسبب عشقه وحبه لأمواج المتوسط كما كان يقول. وكان يملك محلا لبيع الملابس وسط هذه المدينة الساحلية.
يعتبر المديوني من أبرز عازفي البيانو الشرقي وواحد من بين أكبر سفراء الموسيقى العربية الأندلسية واليهودية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وغنى مع كبار الفنانين من يهود الجزائر، أمثال ليلي العباسي ولين مونتي وليلي بونيش ورينات الوهرانية.
اقرأ أيضامميزات النوبة في الغناء الأندلسي
تعلم العزف على البيانو وعمره لم يكن يتجاوز 9 أعوام. اقتحم عالم الموسيقى ابتداء من عام 1942 تزامنا مع وصول القوات الأمريكية إلى مدينة وهران خلال الحرب العالمية الثانية.
مرسيليا مدينة القلب الثانية بعد وهران
اكتشف موريس المديوني بجوار الجنود المارينز الأمريكيين أصناف موسيقية جديدة، على غرار الجاز وموسيقى “بوغي ووغي” والألحان اللاتينية، من بينها الرومبا الكوبية.
وتعلم مهنة الغناء من ابن أخيه مسعود المديوني الذي كان يلقب بمسعود الوهراني، أحد رموز موسيقى الحوزي والذي تم ترحيله برفقة ابنه في 1943 إلى معسكر “سوبيبور” ببولندا حيث قضى كلاهما.
غادر المديوني الجزائر في 1961، أي عام قبل الاستقلال. غادر إلى فرنسا برفقة العديد من العائلات اليهودية، لكنه اختار العيش في مرسيليا حيث كان يحي حفلات وسهرات غنائية في الجنوب الفرنسي مثل مدينة سيت قرب مونبيلييه ونيس ومناطق عديدة تعيش فيها الجاليتان الجزائرية واليهودية على حد سواء.
“زمن لم تكن فيه حرب بين اليهود والعرب”
وفي تصريح نشرته جريدة “لوموند” الفرنسية، أعرب مغني الراي الجزائري خالد عن حزنه برحيل موريس المديوني قائلا:” المديوني كان يمثل زمنا لم تكن فيه حرب بين اليهود والعرب وزمن كنا نلتقي لنتشارك ونعزف الموسيقى”.
أما الموسيقي الفرنسي وعازف البيانو دوني كونيو، والذي التقى بموريس المديوني أثناء تسجيله أغنية “وهران، وهران”، فصرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه “انبهر أثناء سماعه وهو يعزف وعمره 83 عاما دون أن يرتكب أي خطأ “.
في 2006، أطلق موريس المديوني ألبومه الرابع سجله في نيويورك بمشاركة الفرقة الموسيقية الكوبية التابعة للفنان روبيرتو رودريغيز. وكان هذا الأخير قد صرح حول أعماله الفنية: “عندما نستمع إلى موسيقى المديوني، نفهم بسرعة العلاقة التي تربط العرب باليهود. هناك حضور قوي للأنغام الأفريقية وللألحان الرومانسية الكوبية”.
فرقة “الغوستو” تجربة غنائية فريدة
من جهتها، قالت المغنية الجزائرية المتخصصة في الموسيقى الأندلسية بهجة رحال في تصريح لفرانس24 إن “موريس المديوني معروف جدا في الأوساط الغنائية الجزائرية وساعد الكثير من المغنين الجزائريين الذين أقاموا حفلات في مرسيليا، من بينهم المغنية نعيمة والفنان سعد الدين”.
اقرأ أيضاجزائريون حريصون على تعلم أبنائهم موسيقى الشعبي والأندلسي العريقة
وأضافت أنه يعتبر من الموسيقيين الذين يتقنون العزف على آلة البيانو وكان يملك علاقات طبية مع موسيقيين جزائريين آخرين أمثال رئيس الجوق الجزائري مصطفى سكندراني. وأضافت حال: “نحن نغني كلنا نفس الموسيقى وهي الموسيقى الأندلسية. اليهود الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال استمروا في أداءها. نحن أيضا في الجزائر نقوم بنفس الشيء”.
شارك موريس المديوني ضمن فرقة “إل غوستو” التي أسستها سافيناز بوسبيا، وهي شابة إيرلندية من أصول جزائرية. وتضم الفرقة مغنين وموسيقيين جزائريين مسلمين ويهود، وأحيت سهرات أندلسية وشعبية في العديد من العواصم. وكان المديوني أحد رموزها.
ويروي الوثائقي التي أنتجته صافيناز بوصبايا في 2012، قصة هذه الفرقة التي جمعت بين مغنين جزائريين ويهود فرقت بينهم الحياة والسياسة.
طاهر هاني