ثقافة وفن
الروائي كولم تويبين يكمل مابدأه في رواية (بروكلين)
ترجمة: عدوية الهلالي
في روايته الجديدة، يواصل الروائي الأيرلندي كولم تويبين كتابة قصة إيليس، بطلة روايته السابقة (بروكلين) التي لا تنسى، والتي تم تحويلها الى فيلم سينمائي رومانسي رائع بنفس الاسم في عام 2015 من بطولة سيرشا رونان.
تحمل الرواية الجديدة عنوان (لونغ ايسلاند) وفيها نجد البطلة ايليس لاسي، وهي امرأة أيرلندية تعيش في الولايات المتحدة،تعلم بأن زوجها توني قد خانها وأن امرأة أخرى حامل منه، فتقررالعودة إلى والدتها.وهنا يعكس الكاتب مثلث الحب في “بروكلين”، ويرسم، برقة لا متناهية وإتقان رائع، الكائنات العالقة بين الحاضر والماضي، ومشاعرهم وواجباتهم، وقسوة الحياة اليومية وإمكانية الحصول على السعادة.
صحيفة الفيجاور اجرت معه حوارا جاء فيه:
هل تخيلت أنك ستقدم يومًا ما تكملة لبروكلين؟
- مبدأ التسلسل لم يقنعني أبداً.أعتقد أنك عندما تكتب رواية، فإنك تشكلها مثل النحات الذي يشكل الطين؛ لها إيقاع وشكل وبالتالي نهاية. ونحن لا نهدف إلى نهاية مؤقتة معتقدين أننا سنضيف عناصر أخرى لاحقًا… لذلك لم أفكر أبدًا في كتابة تكملة. وفي أحد الأيام، بينما كنت أسير في الشارع،تخيلت تكملة لروايتي الأولى وشعرت وقتها بأن أحلامنا تشق طريقها عبر عقولنا لتصبح خيالا.
مرة أخرى، يتعلق الأمر بالحب المستحيل:
-في حالة “بروكلين”، كما هو الحال اليوم مع “لونغ ايسلاند”، يتعلق الأمر بقصة حب مستحيلة، ولكنها أيضاً قصة عبر المحيط الأطلسي، بين أمريكا وإيرلندا.لقد مررنا جميعًا برومانسيات العطلات حيث تلتقي بشخص تبادله شعورا لطيفا، ومن ثم تعود إلى منزلك،ويتبادر إلى ذهنك أن هذا اللقاء لن يتكرر. وما بدا مليئًا بالعاطفة قبل أيام قليلة يصبح غير واقعي في ظل شقتك والعمل الذي ينتظرك.ستعود إلى مساحتك المألوفة، ويصبح كل شيء أكثر برودة.
كلنا نحلم بحياة أخرى إذن؟
-نعم، هناك دائمًا شخص ما في وجودنا هرب أو سمحنا له بالهروب؛ أو شيء كان من الممكن أن يحدث، وكان ينبغي أن يحدث، ويبقى معك مهما حدث. حتى لو كان مجرد شخص قابلته مرة واحدة، في إحدى الليالي. نحن نتذكر ذلك، ونقول لأنفسنا إن الأمر كان سينجح معه. نحن نحلم دائمًا بالمسار الآخر الذي كان من الممكن أن نسلكه، وهذا ما يجعل الروايات قوية جدًا: فهي تقدم إمكانية حياة أخرى، في مكان آخر، بشكل مختلف.
مثل شخصية إيليس، أنت أيرلندي وتأتي إلى الولايات المتحدة بانتظام. هل استفدت من تجربتك مع بروكلين ولونغ ايسلاند؟
-نعم. لقد عشت في الولايات المتحدة لفترة من الوقت، وحصلت على وظيفة في جامعة أوستن، تكساس، في عام 2006 أو شيء من هذا القبيل، منذ عشرين عامًا تقريبًا. كان ذلك لثلاثة اشهر فقط، ومكثت هناك في ظروف مميزة، وكان الموقع جيدًا جدًا، وكان المكان ممتعًا للعيش فيه، وكان كل شيء مثاليًا. باستثناء أنني بدأت أشعر بالحنين إلى الوطن. كان عمري 50 عامًا، وكنت وحدي، ولم يمر سوى اثني عشر أسبوعًا، ومع ذلك بدأت أتمنى لو انني كنت في المنزل. كان الأمر غريبًا لأنه كان يحدث كل صباح، وأحيانًا أثناء النهار، كانت تسيطر عليّ الرغبة في العودة إلى المنزل، وفي الواقع عندما عدت إلى أيرلندا بدأت العمل في “بروكلين”. لا أعتقد أنني كنت سأكتبها إذا لم تكن لدي هذه التجربة. وبدون أن يكون النص سيرة ذاتية، فقد استخدمت مشاعر حقيقية، حاضرة وملحة للغاية، لتغذية شخصية إيليس.
هل يمكن أن تخبرني بضع كلمات عنها، لقد بدت وكأنها شخصين في بروكلين وتتضاعف مرة أخرى في لونغ ايسلاند؟
-إيليس هي هذه الشابة التي تصل إلى نيويورك لأنه ليس لها مستقبل في أيرلندا. أُجبرت على الهجرة، وتعاني من الحنين إلى الوطن دون أن تتمكن من التعبير عنه – فليس لديها كلمات، وأحد الاختلافات الكبيرة بين “بروكلين” و”لونغ ايسلاند” التي تحتوي على الكثير من الحوار، هو أنها تعلمت التعبيرعن نفسها.لقد أصبحت شخصية “بروكلين” المترددة امرأة ناضجة ومتعلمة تتقن لغتها بشكل كامل. أردت أيضًا بطلة لا تفكر في نفسها أو في تأثيرها على الآخرين. لم يتم رؤيتها مطلقًا وهي تنظر في المرآة، والناس يحبونها، ويثقون بها، ويرغبون في وجودها دون أن تفعل أي شيء لإثارة تلك المشاعر. كنت أرغب في شخصية تنجرف، وتتجول، وقبل كل شيء، لا أريد شخصية منتصرة تصل إلى نيويورك بطموح أن تصبح شخصًا ما، أوللحصول على السلطة أو المال أو المكانة. ببساطة، تنتقل إيليس من شيء إلى آخر، كما في الحلم…
في رواياتك، ينشأ التشويق من الأشياء التي لم تُقال، والإثارة من المشاعر وليس الأفعال؟
-أنا مهتم بقوة بما يمكن أن يخلقه الخيال. في كلتا الروايتين، نادرًا ما يتم وصف المغادرة والعودة. عندما تغادر إيليس إلى الولايات المتحدة، لا تعانقها والدتها عند الباب ولا تبكي،وفي “لونغ ايسلاند” لا نرى إيليس تصل إلى منزلها في أيرلندا. لا يوجد وصف للحظة التي فتحت فيها الأم الباب وأخذتها بين ذراعيها. وأحد أسباب عدم وجود هذه المعلومات هو أن والدة إيليس لا تعرف ماذا تقول لها، لأن علاقتهما متناقضة. نحن لا نكتب أي شيء بشكل عشوائي، بل نزن الإيجابيات والسلبيات، ونفكر باستمرار في المعلومات التي سيتم استخلاصها، وتلك المتاحة للقارئ، والتي تمتلكها كل شخصية، وبأي تأثير ولأي غرض..
بماذا تقارن الكتابة؟ - الكتابة مثل بناء منزل حيث ستكون المهندس المعماري والبناء والنجار ومصمم الديكور الداخلي. أنت تتخيل المساحة، وترسم المخططات، وتتأكد من أن الباب والنافذة في المكان الذي يجب أن يكونا فيه. وإذا كانت النافذة موجودة، فالأريكة موجودة، وستكون بهذا اللون، وستكون الطاولة من خشب البلوط وليس من الكرز… نهتم بكل التفاصيل. الكتابة مثل الدراسة للاختبار بعد عامين من الآن. إذا لم تدرس، فلن يعرف أحد. ومع ذلك، لا بد من القيام بذلك. دون أن نعرف بالضرورة السبب. أنا أحب الرسم أكثرمن الكتابة لكني لا أعرف لماذا أكتب.لإعطاء المزيد من القوة لتجربة الحياة؟ عندما كنت أصغر سنا، أردت أن أكون شاعرا؛ كتابة الروايات كانت تعويضاً!