“السيدة زينب” في ريف دمشق: حكاية المقام والمنطقة
- Author, جوي سليم
- Role, بي بي سي نيوز
كثيرا ما تصّدر اسم منطقة السيدة زينب في جنوب دمشق نشرات الأخبار، بعدما شهدت عشرات التفجيرات والغارات خلال العقد الماضي.
وبات اسم مقام السيدة زينب، محوراً لعدد من الدلالات السياسية والعسكرية، والتحوّلات التي نقلت الحيّ المحيط به، من قرية على أطراف دمشق إلى مدينةٍ ذات ثقل في المنطقة عموماً.
فما هي حكاية مقام السيدة زينب والمنطقة المحيطة به؟ وكيف اكتسب دلالاته الراهنة؟
يوم وطأت قدما زينب أرض دمشق
بحسب ما ورد في كتابات عدد من المؤرخين المسلمين وما حفظه التراث الشيعي، شهدت واقعة الطفّ، أو معركة كربلاء، عام 61 هجرية (680 ميلادية)، مقتل الإمام الحسين بن علي، وعدد من أهل بيته وأنصاره. بعد المعركة، أسر جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية النساء والأطفال، ومن بينهم زينب وأم كلثوم (زينب الصغرى) – شقيقتا الحسين. اقتيد الأسرى إلى الكوفة، حيث وصلوا في 12 من شهر محرّم، عام 61 هجرية، بعد يومين من انتهاء المعركة. وتذكر مصادر تاريخية أن الأسرى تعرضوا لمعاملة قاسية ومهينة خلال هذه الرحلة.
في الكوفة، برزت زينب كشخصية قيادية للأسرى الهاشميين الذين سجنوا معها لفترة، قبل أن يرسلهم والي الكوفة، عبيد الله بن زياد، إلى دمشق.
ونُقل أنه في دمشق، جرت مواجهة بين زينب ويزيد بن معاوية، حيث ألقت خطبة شهيرة انتقدت فيها يزيد بشدة، ويذكر التراث ما جاء فيها: “فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المناد ألا لعنة الله على الظالمين”.
توفيت زينب في عام 62 هجرية (681 ميلادية). ويحيي المسلمون، وخاصة الشيعة، ذكرى وفاتها سنوياً في 15 رجب.
أين دفنت زينب بنت علي؟
ظلّ مكان دفن السيدة زينب بنت علي موضع جدل تاريخي؛ فبينما تشير بعض الروايات إلى وفاتها في المدينة المنوّرة، تقول أخرى إنها توفيت في سوريا بعد سفرها مع زوجها، وهناك من يذكر أنها نُفيت إلى مصر لنشرها أخبار كربلاء.
هذا الغموض يجعل مكان دفنها غير مؤكد، مع وجود ادعاءات بوجود جثمانها إما في مقام السيدة زينب بدمشق أو في مسجد السيدة زينب بالقاهرة.
فعلى سبيل المثال، يرجح المؤرخ الطبري أن قبرها في القاهرة، في الضريح الذي يعود تاريخه للقرن الثالث الهجري، في حين تشير مراجع تاريخية أخرى إلى أن ضريح “فَيّ راوية” – وهو الاسم القديم للمنطقة المعروفة اليوم بالسيدة زينب بدمشق – مخصّص لسيدة تدعى أم كلثوم، يرجّح أنها أخت الإمام الحسين.
ومع مرور الوقت، تحول هذا الضريح إلى مزار ديني رئيسي يجذب ملايين الزوار سنوياً، رغم استمرار الجدل حول ما إذا كانت السيدة زينب مدفونة فيه بالفعل.
“قرية الراوية” ملجأ للفلسطينيين والسوريين
يقول الباحث والروائي السوري-الفلسطيني، تيسير خلف، في حديثه إلى بي بي سي عربي إن “الاسم المسجل لمنطقة السيدة زينب في السجلات العقارية هو قرية راوية. كان سكانها الأصليون من أهل الغوطة، وفي عام 1967 انضم إليهم لاجئون فلسطينيون ونازحون سوريون من الجولان، وتم إنشاء مخيمين في المنطقة، أحدهما يسمى مخيّم الستّ”.
وخلال النصف الثاني من القرن العشرين وحتى بداية الألفية الثانية، كانت المنطقة مأهولة بشكل رئيسي باللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين من الجولان، الذين ظلّوا يشكّلون الأغلبية الساحقة حتى الثمانينيات تقريباً. ويقدّر أن 90 في المئة من سكان المنطقة كانوا من اللاجئين والنازحين.
تنقسم المنطقة إلى قسمين يفصل بينهما شارع رئيسي يؤدّي إلى دمشق، وينقسم كل قسم بدوره إلى أربعة أحياء، يمثّل المرقد مركزها.
الحي الجنوبي الشرقي الذي يضم المرقد هو المنطقة السياحية الأبرز، ويضمّ الفنادق والأسواق المزدحمة. ويقع المخيم الفلسطيني في الجهة المقابلة لهذا الحي، إلى الجنوب الغربي. أما سكان المنطقة من العراقيين، فيسكنون في الحي الواقع إلى الشمال الشرقي، وتحديداً في ما يعرف بشارع العراقيين. وكان التحوّل الكبير الذي عرفته منطقة السيدة زينب في مطلع الألفية هو ازدياد سكّانها العراقيين بصورةٍ كبيرة بعد غزو العراق عام 2003.
في كتابها “على خطى السيدة زينب: المذهب الشيعي الإثني عشري في سوريا المعاصرة”، الصادر عام 2019، تذكر الباحثة إديث أندريا إلك زانتو أن سوريا “احتضنت ورحّبت بمئات الآلاف من العراقيين الذين فرّوا من العراق الذي مزقته الاضطرابات بعد دخول الأمريكيين واندلاع أعمال العنف والقتال بعد عام 2003، ومنحتهم صفة زائرين مؤقتين حتى قُدّر عددهم بحلول عام 2005 بمليوني عراقي على الأقل، جلب بعضهم معه مبالغ مالية كبيرة”.
ما حجم التأثير الإيراني على المنطقة؟
يقول تيسير خلف إن “الاهتمام الإيراني بمنطقة السيدة زينب بدأ فور انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. في ذلك الوقت، بدأ ترميم المبنى القديم للمسجد على الطراز الإيراني، من حيث تصميم القباب والمآذن واستخدام (زخرفة) القاشاني الأزرق”.
ويضيف أن “الإيرانيين بدأوا في ذلك الحين بشراء العقارات المجاورة لهذا المقام، ودفعوا الملايين. وفي التسعينيات، تحوّلت السيدة زينب إلى مدينة قائمة بذاتها، حيث تم إنشاء مدارس شيعية وحوزات علمية ومستشفيات بتمويل إيراني”.
وبعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عام 2000، بدأت المنطقة بالتوسع بشكل أكبر، وأصبحت مقرّاً لما يمكن أن “نسميه المرجعيات والشخصيات الشيعية الإيرانية الموجودة في المنطقة”، وفقاً لخلف.
يشير خلف إلى أنه خلال سنوات الحرب في سوريا، بدأت المنطقة تتحوّل “إلى مدينة كبيرة، ويمكن القول إنها أصبحت تشبه الضاحية الجنوبية لبيروت. شهدت المنطقة تغييراً ديموغرافياً كبيراً، وأصبحت الآن مأهولة بشكل أساسي من قبل إيرانيين وأفغان وعراقيين شيعة، يقدّر عددهم بعشرات الآلاف. كما أثبتت خلال هذه السنوات أنها مقرّ مهم على المستوى اللوجستي والعسكري لإيران”.
من جانبها، تذكر زانتو في كتابها أنه “بعد افتتاح عدد من رجال الدين المكاتب والحوزات العلمية في مدينة السيدة زينب، تعزّز حضور القائد الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي يتولّى إدارة حوزة الإمام الخميني، وهي واحدة من أكثر الحوزات شهرة ومكانة في مدينة السيدة زينب. وقد تجسّد هذا الحضور في جانب آخر واضح للعيان، إذ ساهمت الأموال الإيرانية التي تدفّقت على المرقد بشكل مباشر في حملة توسيعه وتجديده، ووصل الأمر إلى حد قراءة ممثلي آية الله الخامنئي خطبة الجمعة باسمه”.
ونتيجة للزيادة المستمرة في عدد السيّاح الدينيين، خاصة القادمين من العراق والزوار الشيعة من جميع أنحاء العالم، بدأ المزارعون السابقون والسكان المحليون ببناء الفنادق وتجهيز مجمعات الشقق للإيجار في المناطق الواقعة إلى الشرق والجنوب الشرقي من المرقد، وفقاً لزانتو.
وبحسب الموقع الرسمي للعتبة الزينبية، تدير عائلة المرتضى السورية المقام منذ القرن السادس الهجري، حين قام جد الأسرة السيد حسين بن شيخ الإسلام موسى بوقف أملاكه في قرية راوية. ولا تزال عائلته حتى يومنا هذا تشرف على المقام بالتنسيق مع وزارة الأوقاف السورية.
كيف تغيّرت المنطقة خلال العقد الأخير؟
أصبحت منطقة السيدة زينب رمزاً من رموز الصراع الدائر في سوريا، ومحط أنظار للمقاتلين الشيعة الذين توافدوا إليها تحت شعار حماية مقام السيدة زينب في وجه الجماعات الجهادية التي كانت تُهدّد المرقد.
واليوم، لم يعد مقام السيدة زينب يحمل بعداً دينياً فحسب؛ إذ يصعب اليوم فصل المقام في ريف دمشق عن أبعاده السياسية المرتبطة بالجهات التي جاءت للدفاع عنه.
وشهد المقام خلال الحرب في سوريا حصاراً متكرراً، وتعرض لقصف عنيف، كما اندلعت في محيطه معارك ضارية، منها في بلدة تُدعى حجيرة تقع على أطراف السيدة زينب. وظلّت المنطقة ساحة للمعارك لسنوات طوال، وهي لا تزال تحتضن مراكز ومقرات إيرانية ولحزب الله.
يقول صحفي سوري مطلع على شؤون المنطقة في حديث لبي بي سي عربي، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنيّة، إنه “منذ اندلاع الحرب الدائرة في غزة، تم تغيير هذه المواقع بسبب الاستهدافات الإسرائيلية المكثفة للأراضي السورية، ولكن من المعروف أن المنطقة تأوي أفراداً من حزب الله اللبناني ومسؤولين إيرانيين”.
ويضيف أن “المنطقة تحولت في العقد الماضي إلى ما يشبه المركز الإيراني اللبناني الذي يضم مقاتلين شيعة سوريين ولبنانيين عراقيين”.
تواصلنا مع السفارة الإيرانيّة في دمشق، لكننا لم نتلقّ بعد ردا على أسئلتنا بخصوص حجم وطبيعة الوجود الإيراني في المنطقة.