القاصرون المغاربة في سبتة.. من يتحمل تكاليفهم؟ – DW – 2024/9/11
عند الحديث عن أزمة القاصرين المغاربة في أوروبا عموما، فإن استحضار رقم يناهز 20 ألفاً يوضح عمقها. غالبية هؤلاء القاصرين حسب الجمعيات غير الحكومية المغربية، الذين توافدوا على السواحل الأوروبية، يتواجدون حاليا في فرنسا وإسبانيا.
تجدد التفكير في أزمة الاكتظاظ الذي تعاني منه مراكز استقبال هؤلاء المهاجرين ذوو الوضعية القانونية الخاصة، سببه المحاولة الجماعية للهجرة من المغرب نحو إسبانيا قبل أسبوع، حيث تمكن عشرات المواطنين المغاربة من التسلل سباحة لمدينة سبتة التي تتمتع بحكم ذاتي.
أعيد البالغون إلى أرض الوطن فورا، بينما تسلل الكثيرون إلى شوارع المدينة. أما القاصرون، فتم توزيعهم على المراكز المخصصة لإيوائهم.
عمر الحارتيتي حمامو، نائب رئيس مؤسسة Sevilla Acoge، وهي منظمة حقوقية تعمل في مجال إدماج المهاجرين في المجتمع الإسباني، اعتبر في تصريحات لمهاجر نيوز أن “عبور القاصرين إلى إسبانيا ومنها سبتة بمختلف الطرق، ليس ظاهرة جديدة لكنها تتغير في طريقتها، وتزداد حدة مع توالي السنوات”.
وأضاف المتحدث قائلا “من خلال تجربة مؤسستنا في إطار تعاونها مع مؤسسات مغربية، فأستطيع القول إن “الأغلبية الساحقة من القاصرين الذين يتوافدون على السواحل الإسبانية، ينحدرون من عائلات فقيرة وبعضهم أطفال متخلى عنهم، لكن يصل أيضا قاصرون من الفئات الاجتماعية المتوسطة وحتى الميسورة”.
استنفرت حكومة المدينة فور بدء وصول المهاجرين، فالعدد الوافد مؤخرا جعل الطاقة الاستعابية تصل ذروتها، ليستنجد خوان فيفاس، رئيس الحكومة المحلية بالحكومة الإسبانية المركزية. فبدأت وفود المسؤولين تصل من مدريد تباعا لإيجاد حل للأزمة، وبحث سبل التعاون لتوزيع القاصرين على مختلف مناطق إسبانيا.
وكانت آخر الوافدين، وزيرة الطفولة والشباب، سيرا عابد ريغو الرفاعي، المنتمية لحزب اليسار المتحد، في مهمة خاصة بمناقشة أوضاع الوافدين القاصرين إلى إسبانيا.
وفي ظل صدور تقارير إعلامية انتقدت سابقا الحكومة الإسبانية لعدم مد يد العون لسبتة المكتضة بالمهاجرين، رد المتحدث باسم الحكومة المحلية في سبتة، أليخاندرو راميريز، بالقول إن الحكومة المركزية استجابت لنداء الاستغاثة الذي أطلقه رئيس مدينة سبتة، وأن حكومة بيدرو سانشيز تعمل “بشكل تعاوني وثيق للغاية”.
كيف تدبر الحكومتين الإسبانيتن الأمر ماليا؟
أوضح المتحدث باسم الحكومة في سبتة من خلال تصريحات إعلامية أن “التقديرات تشير إلى أنه وجود أكثر من 500 قاصر في المدينة، تم إيوائهم، ويكلف كل واحد منهم ميزانية 77 يورو يوميا”. ولأن الأمر خرج عن السيطرة، ولم تعد ميزانية الحكومة المحلية قادرة على مسايرته، فقد صار يستدعي تدخل الحكومة الإسبانية.
ميزانية سبتة المخصصة للإيواء والاستقبال والمواكبة قد استنزفت تماما بسبب ارتفاع أعداد القاصرين، والمراكز تجاوزت حدها ولم تعد تتوفر على أماكن لإيواء آخرين جدد قد يصلون في أي لحظة، حسب التصريحات الرسمية.
تمويل مراكز استقبال وإيواء القاصرين في إسبانيا تتولاه حسب الناشط حمامو الحكومات الجهوية في الأقاليم الإسبانية، لكن في حال حدوث أزمات، كما حصل في سبتة بعد مواجهة مشكلة تمويل كل المراكز بسبب الأعداد الكبيرة من القاصرين الوافدين، فيتم الاستنجاد بالحكومة المركزية. وأوضح المتحدث، أن القانون الإسباني يلزم الحكومات المحلية بإيواء القاصرين في المراكز ودور الإيواء.
وأوضح المتحدث في حواره مع مهاجر نيوز، أن للمنظمات والجمعيات دور مهم في هذا الملف داخل إسبانيا، لأنها تقوم بتدبير بعض هذه المراكز، لكن بتمويل تام من الحكومات المحلية. ويضيف “هناك نوعين من المراكز، الأولى تسيرها الحكومات وتمولها، وأخرى تتولى تسييرها جمعيات ومؤسسات خيرية”.
وشدد حمامو على أن “القاصرين في إسبانيا سواء كانوا إسبان أو أجانب فهم محميون بقوة القانون، وبالنسبة للأجانب، فالقانون يلزم بتسوية وضعهم قبل بلوغ 18 سنة، ليصبح مهاجرا قانونيا”.
كانت استجابة الحكومة الإسبانية سريعة، فقد نقلت صحيفة “إل فارو دي سوتا” في تقرير حول الموضوع أن الحكومة وافقت خلال اجتماع مجلس الوزراء، يوم الثلاثاء (3 أيلول/سبتمبر)، على طلب وزارة الشباب والأطفال، وخصصت 35 مليون يورو لاستقبال 400 قاصر ونقل 347 آخرين. ومن هذا المبلغ المالي المهم، تم تخصيص 15 مليون يورو لجزر الكناري وسبتة ومليلية.
هذا الدعم المالي، سيعين حكومات المناطق المعنية على تغطية النفقات الناتجة عن الرعاية الفورية واستقبال القاصرين غير المصحوبين. بالإضافة إلى التوجيه والدعم النفسي والاجتماعي، والتعليم والإدماج الاجتماعي في العمل وتوفير السكن، وأيضا توفير التوجيه والتمثيل القانوني والمساعدة في إجراءات الهجرة واللجوء.
“مشكل صعب يطرح في هذا الملف بالنسبة للمهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا قبل بلوغ سن الرشد بأشهر قليلة. هؤلاء يتم إيواؤهم أولياً، لكن الوقت لا يسمح لهم بإتمام إجراءات تسوية الوضعية القانونية. “فور بلوغ سن 18 سنة، يجدون أنفسهم في الشارع. لا هم مؤهلين حرفيا ولا هم مهاجرون قانونيون، فينظمون للعدد الهائل للمهاجرين غير الموثقين المتواجدين في إسبانيا”، يوضح حمامو.
بعد سنوات من سعي الجمعيات الحقوقية، تم تخصيص ميزانية لإيواء هذه الفئة، أي من يصلون السن القانوني بعد فترة قصيرة من وصولهم إلى إسبانيا، ويتم إيواؤهم في شقق خاصة بتمويل الحكومة إلى غاية 23 سنة، ليكملوا تكوينهم المهني ودراستهم ويتم تسوية وثائقهم وإدماجهم مهنيا واجتماعيا، حسب ما يؤكده المتحدث.
لماذا لا يصير المغرب جزءاً من الحل؟
إشكال يطرح ويتجدد النقاش حوله كلما وصل عدد من القاصرين المغاربة إلى أوروبا، فرغم الجهود التي يبذلها المغرب خلال الأزمات المشابهة السابقة، محاولا استعادة مواطنيه اليافعين الذين يقدر عددهم بأكثر من 20 ألفا، إلا أن القوانين الأوروبية تضمن حماية مشددة للأطفال والقاصرين.
بعد أزمة الهجرة الجماعية من المغرب إلى إسبانيا سباحة سنة 2021، أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس في بيان رسمي صدر يوم الأول من حزيران/يونيو، أنه يريد “تسوية نهائية” لقضية القاصرين المغاربة الموجودين في وضع غير قانوني في أوروبا.
كما جاء في بيان مشترك لوزارتي الداخلية والخارجية المغربيتين حينها، أن “المغرب مستعد للتعاون، كما فعل دائماً، مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية هذه المسألة”. وشدد البيان المغربي أيضا على “التزام المملكة الواضح والحازم بقبول عودة القاصرين غير المصحوبين الذين تم تحديد هويتهم”، عازياً “بطء” العملية إلى “عوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية”.
صحيح أن للبلدين اتفاقيات مشتركة خاصة، منها اتفاقية إعادة القبول، التي تمكن إسبانيا من إعادة البالغين وتلزم المغرب بقبول مواطنيه، لكن إعادة القاصرين على وجه الخصوص إلى المغرب يستدعي قرار المحكمة، لتبقى إسبانيا المسؤولة الوحيدة عليهم.
وحول هذه الإشكالية، يوضح الناشط حمامو أنه “بالنسبة للقاصرين فغياب ضمانات قانونية تؤكد أن القاصر الذي سيعود للمغرب ستتوفر له حياة اجتماعية والتعليم والصحة، فإن القانون الإسباني وقف في وجه تنفيذ إعادة أي قاصر. أي أن الآلية موجودة، لكن في غياب الضمانات من جهة المغرب، فالقاصرون يظلون في حماية الدولة الإسبانية، وتبقى الاتفاقية عالقة.
وأضاف قائلا “ليستطيع المغرب استرجاع القاصرين، عليه أن يوفر ضمانات تقنع القضاء الإسباني، وهذا صعب التحقق حاليا في ظل تزايد أعداد القاصرين المتوافدين سنويا”.
بذلك يظل المغرب غير قادر على إعادة الأطفال لحضن الأسر المغربية، ويعمل حاليا على تكثيف جهود مراقبة الحدود البرية والبحرية بينه وبين الجارة الشمالية.
جزر الكناري تستغيث أيضا.. والحكومة المركزية توفر الدعم!
ليست سبتة فقط المتضررة من الأعداد الكبيرة للوافدين القاصرين، والاكتظاظ داخل مراكز الاستقبال، فقد نشب خلاف مؤخرا بين حكومة جزر الكناري والحكومة المركزية، بسبب نقص الأماكن المتاحة في مرافق الاستقبال، التي تستضيف 5300 طفل ومراهق من المهاجرين وصلوا عن طريق البحر.
حينها هدد رئيس الحكومة الإقليمية بوقف استضافة القاصرين الأجانب تماما، مؤكدا أنه يجب اعتبارهم تحت حماية الشرطة والحكومة المركزية.
استجابت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبلس، للطلب الذي قدمته حكومة جزر الكناري، للمساعدة في التعامل مع وجود عدد كبير من المهاجرين، من خلال إتاحة منشأتين عسكريتين لاستضافة القاصرين الأجانب غير المصحوبين بذويهم، وأضافت أنه يمكن توفير منشأة أخرى إذا لزم الأمر.
وجاء هذا العرض بعد مكالمة هاتفية جمعيت رئيس حكومة جزر الكناري فرناندو كلافيجو، ووزيرة الدفاع روبلس. وتقع المنشأتان التابعتان لوزارة الدفاع، واللتان ستستضيفان المهاجرين القُصر، في تينيريفي، وهما عبارة عن مستودع متفجرات سابق تابع للجيش، وثكنة عسكرية سابقة.
مهاجر نيوز 2024