الكون في الشعرمـاريا بـوبـوفـا
ترجمة: عمار كاظم محمد
- الشعر وعالم الممكن…
نحن نعيش حياتنا البشرية بين الحقيقة والمعنى، بين الواقع الموضوعي والمعنى الذاتي الممزوج بالشعور، فكل رغباتنا وكل يأسنا، وكل افتراضاتنا في وجودنا المضطرب موجهة نحو احدهما او الآخر، وفي هذا التوجه يكمن ما نسميه الابداع وهو الكيفية التي نتواصل بها مع الجمال، جمال النظرية وجمال القصيدة.
في كل عام يجتمع آلالاف الناس للاستماع والتفكير والشعور معا، انه تجمع من المخلوقات التي تهتم بالعلاقة بين الحقيقة والجمال، بين الحب والفناء، بين المحدود واللانهائي، قد يبدو الشعر بمثابة بوابة بعيدة الاحتمال للطبيعة الاساسية للواقع – للمادة المظلمة والتفرد، التطور والتحول، قانون هابل والنسبة التقريبة، لكن العلم له طريقة جميلة في تسلل الافكار الى وعينا عبر الباب الخلفي للشعور متجاوزا طرقنا العادية في رؤية العالم والتواصل معه، نحن ندرك ان تحيزاتنا وافكارنا المسبقة تفتح لنا بابا آخر من الاستيعاب، ومن خلاله يمكن لمقاييس اخرى من الزمان والمكان والاهمية، وهي المقاييس التي تشكل المادة الخام للعلم، ان تدخل بشكل أكثر اكتمالاً وإخلاصًا في نظرتنا للعالم، لتعيد توطيننا في حياتنا العادية بشكل موسع وعظيم، حتى نتمكن من العودة الى مهامنا اليومية وتطلعاتنا بمرونة متجددة وشغف بالامكانيات.
إن الشعر والعلم ـ على نحو فردي، ولكن بشكل خاص مجتمعين ـ يشكلان أدوات لمعرفة العالم بشكل أكثر حميمية وحبه بشكل أعمق. فنحن في احتياج إلى العلم لمساعدتنا على مواجهة الواقع بشروطه الخاصة، ونحتاج إلى الشعر لمساعدتنا على توسيع وتعميق الشروط التي نلتقي بها مع أنفسنا ومع بعضنا البعض، وعند نقطة التقاطع بين الاثنين، قد نجد وسيلة لتوضيح تجربتنا وتقديسها؛ وسيلة لتنسيق الواقع الموضوعي للكون غير المتأثر بآمالنا ومخاوفنا مع الواقع الذاتي لما نشعر به عندما نكون على قيد الحياة، ونرتجف حزناً، ونفرح. وكلاهما مشغول بمساعدتنا على اكتشاف شيء لم نكن نعرفه من قبل ـ شيء عن هويتنا وما هو هذا الشيء، ولذا فان البركة المشتركة بينهما هي اليقظة على الواقع المتوهج بالدهشة.
التفرد وانتمائنا الاساسي
ان اول استخدام للفضاء باللغة الانكليزية للاشارة الى الامتداد الكوني يظهر في السطر 650 من ملحمة جون ملتون (الفردوس المفقود) الكتاب الاول حيث يقول إن ” الفضاء قد ينتج عوالم جديدة”، ويتوسع بها. لقد انتج الفضاء في هذا العالم ذرات ذات وعي، ومادة شهوانية ذات معنى، ” العقل مكانها الخاص” كما يقول ملتون وهو في حد ذاته يمكن ان ” يصنع جنة من الجحيم، وجحيم من الجنة”. ان عالمنا ملىء بالعقول، عقول قضت آلالاف السنين في محاولة استكشاف اسرار الفضاء، مما جعل هذا الكوكب جنة وجحيما في هذه العملية.
في ستينيات القرن العشرين، وفي وقت النظريات المتضاربة بشان اصل الكون، خطرت ببال الفيزيائي الشاب ستيفن هوكنغ فكرة، ان تفردات الزمكان المعروفة تقطن في قاع كل ثقب اسود كنقاط نصف قطرها صفر وكثافتها لانهائية، وهي تستهلك وتضغط كل بيانات تمسها تحت تأثير جاذبية شديدة الى الحد الذي يمزق نسيج الكون، ويمكن تطبيقها على نسيج الزمكان باكمله.
في ظل هذه النموذج، فقد كان الكون باكمله ينشأ من نقطة واحدة كهذي وهي نقطة الانفجار العظيم، انها فكرة غير مفهومة بالنسبة للعقل البشري، فالعقل البشري الذي يتألف في حد ذاته من ذرات كانت في يوم ما جزءا من نجوم معينة يتحول الان الى جزيئات وخلايا تطلق شحنات عصبية بسرعة ثمانين قدما في الثانية لانتاج شرارة الفكر، الفكر الذي لايستوعب كيف ان كل شيء نعرفه، كل شيء نحبه، وكل ما كان وسيكون كان منضغطا في نقطة لاحجم لها ولامعنى.
ان تقبل هذه الحقيقة الاساسية يعني اننا نرى انفسنا وان نرى ميراثنا وانتمائنا المتبادل وتفاهتنا وقدسيتنا باعين نقية مليئة بالدهشة والحنان.
الــتفـــرد
(ما بعد ستيفن هوكنغ)
ماري هاو *
هل تريد احيانا ان تستيقظ على التفرد
الذي كنا عليه ذات يوم؟
كان حجمنا صغيرا ولم يكن احد بحاجة الى سرير او طعام او مال
لا احد يختبىء في حمام المدرسة او وحيدا في المنزل
اويفتح الجرار التي تحفظ فيها حبوب الدواء…
لأن كل ذرة مني هي في الواقع ذرة منك، هل تذكر؟
لم تكن هناك طبيعة، ولا آخرين، لم تكن هناك اختبارات
لتحديد ما اذا كانت الفيلة تحزن على دغفلها
او ما اذا كانت الشعاب المرجانية تشعر بالالم
والمحيطات المهجورة
لم تكن تتكلم الانكليزية او الفارسية او الفرنسية…
ليتنا نستيقظ على ما كنا عليه.
المقال من كتاب (الكون في الشعر) للناقدة الامريكية ماريا بوبوفا الصادر من نيويورك عام 2024
يتبع….
ماري هاو كاتبة وشاعرة امريكية ولدت عام 1950 في روشستر نيويورك وقد عملت لفترة وجيزة كمراسلة صحفية في روتشستر وكمعلمة لغة إنكليزية في المدرسة الثانوية في ماساتشوستس، لم تكرس هاو اهتمامًا جادًا لكتابة الشعر حتى بلغت الثلاثين من عمرها. بناءً على اقتراح أحد المدربين في ورشة عمل للكتاب، تقدمت هاو إلى جامعة كولومبيا وتم قبولها حيث درست مع ستانلي كونيتز وحصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 1983.
اختير أول كتاب لها، اللص الصالح، من قبل مارغريت أتوود كفائز في المسابقة المفتوحة لسلسلة الشعر الوطنية عام 1987. في عام 1998، نشرت كتابها الأكثر شهرة من القصائد، (ماذا يفعل الأحياء). قامت بتدريس الكتابة في جامعة تافتس وكلية وارن ويلسون، وهي تعمل حاليًا في هيئة تدريس الكتابة بجامعة كولومبيا وكلية سارة لورانس وجامعة نيويورك وفي عام 2018 انتُخبت هاو مستشارة لأكاديمية الشعراء الأمريكيين.
المترجم.