(المدى) تستطلع اراء العراقيين.. لماذا يجب ان نحب الكتب؟
المدى/ ذو الفقار يوسف
يقبع ناصر في دوامة من الملل اليومي، فحسب قوله ان الروتين والتكرار يلاشي لذة الحياة بتفاصيلها الجميلة، وبالرغم من اشغال نفسه بأمور عديدة في منزله وخارجه، الا ان هذا الشعور المزعج لازمه في كل وقت، حتى انه قام بطلاء جدران غرفته لأكثر من مرة، في النهاية لم يجد من ينصره غير ذلك الانيس الذي يسمى “كتاب”.
ويتقلص الاهتمام بالكتب كلما تطور الزمن، فالتكنولوجيا تفرض سلطتها على الفرد رغما عنه، الا ان العراق كبلد نشأ على ارث عظيم من الحضارات والاثار والمعرفة فضلا عن انبثاق الاف من المبدعين والمفكرين من تربته جعله يقاوم هذا التغيير.
(المدى) ومن خلال تأسيسها لمشاريع عديدة بالتوجه نحو الكتاب والقراءة، اثرت ان تطلق استطلاعها في الغوص بغمار “الكتاب” وما يميزه في نفوس الفرد العراقي.
اكسير التحول
وكان اول من خطى على اعتاب سطورنا الشاب سلوان محمد (28 عاما)، وحسب قوله فان الكتاب هو تلك الحروف التي اتخذت في اشكالها ومعانيها اكسيرا ما ان ارتشفت منه الا وتحولت الى كائن مغاير لما كنت عليه.
يكمل محمد في حديثه لـ(المدى): “عندما يضع الانسان صوب عينيه نحو القراءة بمطلق كيانه وتوجهاته سيكون في ارتقاء دائم، فاكتساب المعارف يوسع افاق المدارك مما يجعله مجبرا على التطور”. مستدركا بحديثه “أحب الكتب لكونها تلك العوالم التي تعطينا الفرص لخوضها بأرخص الاثمان، فهناك أجد احلامي قد تحققت وامنياتي المستحيلة صارت ممكنة، وبمنظوري ان تطور البلدان بنسبة حب شعبها للكتاب والقراءة”.
تَكيَّفَ ما بعد العزلة
اما اسراء الخالدي (26 عاما) فقد تبسمت حين سألناها عن هذا الانيس وما أهميته بالنسبة لها لتقول: “انه منقذي من الظلام، لا مبالغة في وصفي، فان عدتم معي الى عمري الـ 15 عاما، ستجدني فتاة لا تقوى على النظر الى عيون الناس، مرتبكة ومترددة في كل قراراتي، لا أستطيع البوح باي شيء، وان فعلت فاني سأقع فريسة اخطائي لعدم امتلاكي معرفة التكيف مع المجتمع”.
تؤكد الخالدي لـ(المدى)، ان “الكتاب يجعل الانسان قادر على ان يصل مرحلة النجاح الاجتماعي، فهو لم يكن فقط ذلك البنك من المفردات التي يجب ان نتعلمها، بل هو كون من المشاعر التي خطت بحروف وجمل، انه الترجمة لما نشعر به قبل ان نشعر به، هو ماضينا الذي نتمنى ان نعود اليه بعد اكتسابنا المعارف، وهو الة الزمن التي تأخذنا نحو مستقبلنا الذي قمنا بالتحضير له جيدا عبر هذا الانيس”.
سلطان التفاصيل
وبينما تتحفنا نفوس عشاق الكتاب، هناك في زحمة العناوين نجد من قبع بكل روحه نحو الكتب واغلفتها المتعددة، اذ ان سيف حامد (19 عاما) يحاول مجبرا ان لا يشتري الكتب مجددا بسبب امتلاء مكتبته بها، يقول حامد: “انه الإدمان بحد ذاته، كيف أستطيع ان احول كل شيء الى كتاب، اشعر بان في روحي مرونة مفرحة كلما عبرت من امام مكتبة وهي تزهو بسلطان التفاصيل!”.
سألناه ما الذي جعلك ان تدعوه بذلك؟ فقال: “لم أكن اعرف بان الحياة كبيرة وواسعة الى هذا الحد، واشعر بالخجل لعدم رؤيتي ذلك قبل الان، فالتفاصيل التي اقرأها في كل كتاب تجعلني اعرف بان هناك الكثير من الأشياء التي لم اعرفها بعد، اذ تقرأ في احدى الروايات وصفا دقيقا لكل التفاصيل مهما كانت صغيرة، رجلا قد حك اذنيه إثر السؤال، لون قد خطه أحد الرسامين في احد المنازل المهجورة وبقي هناك، فيصفه الكاتب ليخلق له كيان مطلق، كيف لي ان لا احب هذا السلطان، اذ انه من جعلني اعود لكوني انسان”.
هكذا قد تعلمنا الحب
ولم يجعلنا هذا الانيس ان نقف فقط على من كان ربيعهم مبكرا بأعمارهم، فالسيد ميثم جواد (53 عاما) كان له نصيب ان يختتم هذا الاستطلاع بحديثه الشيق ليقول: “لم اكن في مقتبل شبابي ممن لهم الحظوظ في الفوز بعلاقة عاطفية، فكل محاولتي التي أقوم بها في هذا الجانب باءت بالفشل، لم اعرف ما المشكلة، الا ان احد ما قد نصحني بالقراءة، وبالتحديد الروايات العالمية، فقرأت اول رواية لي وهي الزنبق في الوادي لأونوريه دي بلزاك، بكيت في كل مرة اعدت فيها قراءة هذه الرواية، وعرفت حيناها ماذا يعني الحب، وما الذي يجب علي فعله في قادم الأيام، وهنا كان ولهي بحب الكتاب والقراءة”.
يضيف جواد، ان “الكتاب هو المواساة العظيمة التي اعطتها لنا الحياة لكي لا نستسلم اذا لم تتحقق احلامنا، او اذ لم نذهب نحو مقصد كنا نتمنى الذهاب اليه، فالكتاب رفيق لا يخذل، وحبيب لا يتركك، انه لقاح لكل داء، ودواء لكل علة، نعم.. احب الكتاب، لأنه ذلك الانيس الذي وصل به الحد الى ان يعلمنا كيف لنا ان نحب”.