المساعدات إلى غزة: سرقات واحتكار واتهامات لإسرائيل وحماس
كشفت تقارير عن منظمات دولية وإغاثية أن الجيش الإسرائيلي ربما “يغض الطرف وقد يسهل” عمل عصابات مسلحة لسرقة شاحنات المساعدات في مناطق سيطرته في قطاع غزة وهو ما قد يعد “جزءا من سياسة تجويع سكان غزة”.
وبينما ينفى الجيش الإسرائيلي هذه الاتهامات بـ”التساهل والسماح بعمليات نهب المساعدات في غزة”، فإنه يقول أيضا في بيان إنه “ينفذ إجراءات ضد لصوص المساعدات، مع التركيز على استهداف الإرهابيين”.
وسبق أن أفادت تسع وعشرون منظمة دولية غير حكومية، في تقرير، بأن الجيش الإسرائيلي “يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية، التي تتبع حركة حماس وتحاول تأمين المساعدات”.
ويشير التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يمنع نهب شاحنات المساعدات ولا يمنع العصابات المسلحة من ابتزاز المال من المنظمات الإنسانية.
ويذكر مسؤولون أمريكيون وعاملون بمنظمات إغاثية أن عمليات سرقة المساعدات “أكبر عقبة” أمام توصيل الغذاء إلى قطاع غزة الذي يعاني كل سكانه تقريبا من الجوع.
وفي تقرير لها، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن مصادر مختلفة معلومات تؤكد أن عصابات منظمة تسرق المساعدات بغزة وتعمل بحرية في مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
وبحسب تقرير للصحيفة، فإن منظمات إغاثة وشركات نقل أكدت أن العصابات المنظمة قتلت واختطفت سائقي شاحنات مساعدات بمحيط معبر كرم أبو سالم.
وأشارت مصادر عدة إلى أن السلطات الإسرائيلية رفضت معظم الطلبات باتخاذ تدابير أفضل لحماية القوافل في غزة، كما رفضت مناشدات بالسماح للشرطة المدنية، التي تتبع حركة حماس في غزة، بحماية الشاحنات.
وأشارت مذكرة داخلية للأمم المتحدة، بحسب تقرير واشنطن بوست، إلى أن عصابات سرقة المساعدات في غزة “تستفيد من تساهل – إن لم يكن حماية – من الجيش الإسرائيلي”، وأن قائد عصابة أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية بمنطقة سيطرة للجيش الإسرائيلي.
من اللصوص؟
” طفح الكيل!! حماس تنهب وتتاجر بالمساعدات الإنسانية وسكان القطاع يستاؤون ويكسرون حاجز الصمت”، هذه عبارة نشرها منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في مناطق القطاع والضفة الغربية على موقعه على فيسبوك.
هذه العبارة وغيرها تأتي ضمن اتهام تكرره إسرائيل دوما ضد حركة حماس، ولكن إلى أي مدى تعد حماس ضالعة في نهب وسرقة المساعدات؟ وهل توفر غطاء للصوص للقيام بذلك؟
يقول سمير زقوت، نائب رئيس مركز الميزان لحقوق الإنسان وهو أيضا نازح من شمال غزة إلى محافظة الوسطى، لبي بي سي: “إسرائيل هي السبب في خلق تلك الازمة المتعلقة بسرقة المساعدات.”
ويضيف بأن الجيش الإسرائيلي يستهدف قوات الشرطة الفلسطينية كما تستهدف أيضا لجان الطوارئ واللجان الشعبية التي تم تشكيلها لحماية المساعدات فيما يعتبر تعمدا لنشر الفوضى وخلق حالة من الفلتان سمحت بظهور اللصوص وقطاع الطرق”.
وبينما يستبعد زقوت قيام حماس كحركة بالمشاركة في تلك السرقات، إلا أنه يقول إن أفرادا من حماس ربما شاركوا في ذلك بشكل فردي، ولكن لا يوجد دليل واضح على قيام الحركة بالسرقة بشكل مؤسسي.
ويعتقد زقوت أن إسرائيل قادرة على حماية المساعدة بطرق عديدة منها تسيير طائرات استطلاع لمرافقة القوافل وحمايتها، ولكن يبدو أنها “لا تريد ذلك”.
وأفاد تقرير لصحيفة “هآرتس” عن مصادر في منظمات الإغاثة الدولية العاملة في غزة، أن “المسلحين المرتبطين بعشيرتين معروفتين في منطقة رفح، يقومون بعرقلة جزء كبير من الشاحنات التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، بطريقة ممنهجة، ومن خلال تحويل مسارها بشكل متعمد”.
وأكد التقرير أن قوات من الشرطة المحلية، “حاولت في عدة حالات التحرك ضد اللصوص، لكنهم تعرضوا لهجوم من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي يعتبرهم جزءا من حماس.
ووفق تقرير هآرتس، فإن “حالات السرقة تضاعفت في الأسابيع الأخيرة، إلى حد أن طريق الشاحنات تم تحديده على الخرائط الصادرة عن الأمم المتحدة على أنه منطقة شديدة الخطورة، بسبب انهيار النظام المدني بشكل رئيسي”.
وتدخل الشاحنات القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وتمر عبر منطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي عند محور فيلادلفيا، ثم تتجه شمالا نحو رفح، حيث يهاجمها المسلحون.
ويقول بعض المطلعين على عملية نقل المساعدات إن “المسلحين يوقفون الشاحنات باستخدام حواجز مؤقتة، أو عبر إطلاق النار على إطارات الشاحنة، ثم يطالبون السائقين بدفع رسوم مرور بقيمة 15 ألف شيكل أو سرقة ونهب البضائع”.
حماس تطارد اللصوص؟
ومؤخرا، بدأت قوة “سهم”، وهي قوة تنفيذية خاصة داخل حركة حماس، حملة أمنية بهدف مطاردة اللصوص ومن تصفهم الحركة بالمتعاونين مع إسرائيل، وتقوم بتصفية وإعدام من ترصده منهم.
وأكدت قناة الأقصى التلفزيونية التابعة لحركة حماس نقلا عن مصادر لم تسمها الاثنين مقتل أكثر من 20 شخصاً من أفراد عصابات تقوم بسرقة شاحنات المساعدات في عملية أمنية نفذتها الأجهزة الأمنية بالتعاون مع لجان عشائرية.
وأضافت المصادر لقناة الأقصى أن العملية الأمنية لن تكون الأخيرة، وهي بداية عمل أمني تم التخطيط له مطولا وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات.
وكانت الأمم المتحدة قد قالت لوكالة رويترز يوم الاثنين إن نحو 100 شاحنة محملة بالطعام للفلسطينيين تعرضت لعملية نهب باستخدام القوة يوم السبت الماضي، بعد دخولها إلى قطاع غزة، في واحدة من أسوأ الخسائر في العمل الإغاثي خلال الحرب المستمرة منذ 13 شهرا في القطاع حيث يتفاقم الجوع.
ومن جانبه، اتهم إسماعيل الثوابتة، مدير مكتب الإعلام الحكومي التابع لحركة حماس في قطاع غزة، الجيش الإسرائيلي بتسهيل عمل عصابات مسلحة خارجة عن القانون لسرقة شاحنات المساعدات دون تدخل منه.
وأضاف الثوابتة في تصريح له أن الجيش الإسرائيلي يمنع في الوقت ذاته عناصر الشرطة الفلسطينية وشركات الحراسة الخاصة من تأمين شاحنات المساعدات وسط تهديدات باستهدافها، مبينا أن ذلك “يؤكد أن الهدف هو دخول المساعدات لا وصولها”.
ولفت الثوابتة إلى أن “هذه العصابات تنشط في مساحة جغرافية جنوب القطاع لا تستطيع الطواقم الشرطية التحرك فيها بسبب خطورة الوضع الأمني الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي، ما يساهم في تأزيم الأوضاع الإنسانية”.
معاناة وجوع وارتفاع أسعار
وأدى شح المساعدات الواردة للقطاع ونهب معظمها ووقف منح أذون الاستيراد للتجار إلى أزمة متفاقمة وارتفاع ضخم في أسعار السلع واختفاء بعضها.
يقول أبو عواد شمالي، وهو أحد تجار غزة لبي بي سي، إن عوامل عديدة ساهمت في رفع الأسعار بشكل جنوني.
ويجمل شمالي هذه العوامل في تعدد الوسطاء بين رام الله وغزة وارتفاع مبالغ التأمين، التي تدفع لمجموعات مسلحة عشوائية في رفح، لوصول البضاعة وعدم نهبها في الطريق وارتفاع تكاليف النقل بسبب غلاء السولار بشكل مبالغ فيه.
“وبرغم التأمين، إلا إن السرقات تتم وذلك لصعوبة وصول مجموعات للمناطق التي يتواجد بها اللصوص والتي غالبا تكون في طريق التفافي شرق رفح بالقرب من الحدود الإسرائيلية،” بحسب شمالي.
وتشكلت “فرق تأمين الشاحنات لصالح التجار”، وهي عبارة عن مجموعات من فرق الحماية تجمعها كل نحو عشرة عائلات شرق رفح وتعمل على تأمين المرور بمقابل مادي، بحسب شمالي.
“الحرب طولت كثيرا واحنا فقدنا وظائفنا وما معنا سيولة نقدية لنتمكن من شراء أي مواد غذائية، الله يكون في عون الشعب الغلبان مش عارف من وين يتلقاها من القصف والحرب ولا من اللصوص سارقي المساعدات يا رب ينتهي كل هذا وتدخل المساعدات بشكل طبيعي”، هذا جانب مما تحدثت به السيدة نغم ثابت وهي ربة أسرة ونازحة من شمال قطاع غزة إلى مخيم دير البلح وسط القطاع حول عدم وصول مساعدات لها ولأسرتها.
وتضيف ثابت ” المساعدات تأتي للشعب ولعامة الناس لا يجب مطلقا أن تتم سرقها، اللصوص يسرقوها ويعرضونها للبيع لنا في الأسواق بأسعار جنونية… لم نكن ننظر سابقا إلى تلك المساعدات لكنها الآن باتت أساسية لا غنى عنها لأنه لا بدائل أخرى أمامنا”.
يقول أحمد أبو قمر، وهو محلل اقتصادي وخبير مالي لبي بي سي وهو أيضا نازح من شمال غزة إلى جنوبه، إن إسرائيل عملت منذ اليوم الأول على استهداف قوات الأمن ليس فقط للقضاء عليها وإنما بهدف العمل على تجريدها من أي شيء له علاقة بالحكم أو بالاقتصاد.
ويوضح: “أدى هذا إلى خلق حالة من الفوضى تزامنت مع تقليل عدد الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة لقرابة 10% عما كانت عليه قبل الحرب، وهذا ما يدفع المواطن جراء الحاجة الماسة إلى الهجوم على الشاحنات وسرقتها”.
ويضيف أبو قمر أن ذلك “خطط مدروسة من الجانب الإسرائيلي كما هي الحرب بالضبط”.
وكانت تدخل إلى قطاع غزة قبل الحرب قرابة 350 إلى 400 شاحنة يوميا، وحاليا يعتقد أن متوسط الشاحنات التي تدخل يوميا لا تزيد على 30 شاحنة، معظمها تتم سرقته.
وبحسب أبو قمر، تتحكم السوق السوداء الآن بمجمل شرايين اقتصاد غزة فلا يوجد اقتصاد منظم ولا يوجد جهات حكومية تستطيع السيطرة على الأسواق وسط وجود أيادي خفية بسبب الحرب.
ويطالب أهالي غزة ومنظمات إغاثية دولية ومراقبون إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من شاحنات البضائع والمساعدات يوميا، وبالعمل على تأمينها من إسرائيل أو مجموعات تأمين موثوقة، وتطبيق القانون على السارقين، حتى تتوفر السلع بأسعارها وتقدم المساعدات للمحتاجين.