أخبار العرب والعالم

بروكسل تعتبر تونس من “دول المنشأ الآمنة”- فهل هي كذلك فعلا؟ – DW – 2025/4/26

في يوم السبت (19 نيسان/أبريل 2025)، صدر حكمٌ بالسجن 18 عامًا على الكاتبة والناشطة الحقوقية التونسية شيماء عيسى، بتهمة “التآمر على أمن الدولة”، وهي مسجونة منذ عام 2023 وابنة سجين سياسي سابق.
الحكم لم يصدر بحق عيسى لوحدها، بل جاء في إطار محاكمة جماعية لشخصيات معارضة بارزة في تونس، من بينهم سياسيون ودبلوماسيون ومحامون ونشطاء من المجتمع المدني. وجميعهم من منتقدي الرئيس التونسي قيس سعيد، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين 13 و66 عامًا. وبينما يقبع بعضهم في السجن، مثل عيسى، فرّ آخرون من البلاد.

واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن “الحكومة التونسية تستخدم الاحتجاز التعسفي والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية لترهيب ومعاقبة وإسكات المنتقدين”. وأضافت المنظمة أن “الحكم يُظهر تجاهل السلطات التام لالتزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسانوسيادة القانون”.

الاتحاد الأوروبي: تونس “آمنة”

لكن قبل بضعة أيام فقط، بدا أن المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، قد توصلت إلى استنتاج مختلف تمامًا بشأن وضع القانون في تونس.
ورغم أنه من المقرر أن يدخل ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن الهجرة واللجوء حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2026، إلا أن المفوضية الأوروبية أرادت المضي قدمًا في بعض بنوده مبكرًا، لمساعدة الدول الأعضاء على معالجة طلبات اللجوء بشكل أسرع. ومن بين هذه البنود إعلان قائمة أوروبية حول “دول المنشأ الآمنة”، والتي شملت مصر والمغرب وتونس، بالإضافة إلى كوسوفو وبنغلاديش وكولومبيا والهند.

و”بلد المنشأ الآمن” -بحسب الاتحاد الأوروبي- هو بلد يُعتبر فيه الناس آمنين عمومًا، وبالتالي لا ينبغي أن يطلبوا اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لتفسير المفوضية الأوروبية، فإن جزءًا من سبب اعتبار تونس آمنة هو أن “الدستور (التونسي) ينص على أن القضاء وظيفة مستقلة، يمارسها قضاة لا سلطة عليهم إلا القانون”.

وقال راسموس ألينيوس بوسيروب، مدير “الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق” ومقرها كوبنهاغن، لـDW: “لولا أن الأمر مأساوي للغاية، لظننتم أن التوقيت مثير للسخرية”، في إشارة إلى المفارقة بين المحاكمة الجماعية في تونس والتي تعرضت لانتقادات شديدة، وتصنيف الاتحاد الأوروبي لتونس كـ”بلد آمن”.

وأضاف ألينيوس بوسيروب أن هناك العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في تونس. وقال: “القضاء والمعارضة السياسية والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء من جميع الأطياف مستهدفون هناك منذ ثلاث إلى أربع سنوات. ومصر أسوأ من ذلك”.
وأوضح أن مصر فيها نحو 60 ألف سجين سياسي، “ولا يمكن اعتبار النظام السياسي أو القضائي حرًا ونزيهًا”، وأضاف: “لذا، إذا كنا نصنف دولًا كهذه على أنها ‘آمنة’ لمجرد إيجاد طرق أسرع لمعالجة طلبات اللجوء، فهذا ببساطة غير منطقي”.

تسريع إجراءات اللجوء؟

يقول الاتحاد الأوروبيإن وجود قائمة إلزامية على مستوى الاتحاد الأوروبي لـ”دول المنشأ الآمنة”، من شأنه أن يسرّع معالجة طلبات اللجوء. وتفترض بروكسل أن معظم الطلبات من تلك الدول ستكون مرفوضة. وبحسب المفوضية، فإنه و”بموجب اللائحة الجديدة، يجب فحص الطلبات (من دول المنشأ الآمنة) بشكل مستعجل وإكمالها في غضون ثلاثة أشهر كحد أقصى”.

ويمكن لدول الاتحاد الأوروبي اختيار استخدام ما يُسمى بـ”إجراءات الحدود” تجاه المهاجرين غير النظاميين من دول المنشأ الآمنة – أي ببساطة رفض دخول الشخص على الحدود. وتعتبر بروكسل أن تسريع أوقات المعالجة يعني أن سلطات الاتحاد الأوروبي ستتمكن بعد ذلك من التركيز على طالبي لجوء آخرين لديهم فرص أفضل للبقاء.

وما عدا ذلك، فإن لدى العديد من الدول الأوروبية قوائم خاصة بها لـ”دول المنشأ الآمنة”. وأوضح بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2024 حول هذا الموضوع أن هذا “قد يشجع طالبي اللجوء على التقدم بطلبات اللجوء في الدول المضيفة التي تكون فيها فرص القبول أعلى”. ومن شأن قائمة موحدة للاتحاد الأوروبي أن تمنع ذلك.

ولم يصوتالبرلمان الأوروبي بعد على مقترح المفوضية الأوروبية حول تصنيف “دول المنشأ الآمنة”. ولكن في حال الموافقة عليه، تحذر منظمات حقوقية من عواقب وخيمة.

فتصنيف دولة على أنها “آمنة” لا يعني أن جميع سكانها آمنون، أو حتى أن جميع أجزائها كذلك. وصرحت المفوضية الأوروبية هذا الشهر بأنه “لا تزال الدول الأعضاء بحاجة إلى إجراء تقييم فردي لكل طلب لجوء … سواء أكان الشخص قادمًا من بلد منشأ آمن أم لا”. لكن هذا من المرجح أن يُصعّب على بعض طالبي اللجوء إثبات أنهم في خطر فعلي”، كما صرّح ألينيوس بوسيروب لـ DW.

خطر ارتكاب الأخطاء

ويضيف الخبير الحقوقي بأن الاتحاد الأوروبي “يسعى جاهدًا إلى أن يكون أكثر سرعة في معالجة طلبات اللجوء، وبموضوعية، هذا ليس طموحًا سيئًا. نحن بحاجة إلى بعض الإصلاحات”. لكن المشكلة تكمن -بحسب ألينيوس بوسيروب-  في أن يتم ذلك بطريقة تُعرّض الحقوق الأساسية للخطر. وبمحاولته التسريع، قد يُقوّض الاتحاد الأوروبي المبدأ الذي يدّعي أنه يدافع عنه، بحسب الخبير.

ويثار الآن السؤال التالي: هل يُمكن لسياسي تونسي معارض أن ينجح في الحصول على حق اللجوء في أوروبا؟ لا يزال ألينيوس بوسيروب متفائلاً، لكنه يوضح: “مع ذلك، فإن إدراج تونس في قائمة دول المنشأ يزيد من خطر عدم قبوله (الشخص). نعلم أن هناك عملاً مُفصّلاً ودقيقاً يُبذل للبت في أي طلب ذي مصداقية. ولكن عندما تُعطي الأولوية للسرعة على الاجتهاد، يزداد خطر ارتكاب خطأ ما”. كما أن لدى المنظمات الحقوقية والمحامين شكوكًا جدية حول كيفية إدراج دولة ما في قائمة دول المنشأ أصلاً.

تقول المفوضية الأوروبية إن قائمة “دول المنشأ الآمنة تستند إلى تحليلات” من وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ودبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، ومصادر أخرى. ويعتمد قرار وضع البلدان في قائمة “دول المنشأ الآمنة” أيضًا على نسبة طلبات اللجوء المرفوضة على مستوى أوروبا. فنسبة قبول طلبات التونسيين -مثلًا- في الاتحاد الأوروبي تبلغ نحو 4 بالمئة فقط.

المهاجرون الأفارقة في تونس

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

ومع ذلك، وكما كتبت بايا عموري، الباحثة القانونية في “معهد الجامعة الأوروبية” في إيطاليا، لمركز “مبادرة قانون اللاجئين” في شباط/ فبراير الماضي، فإن غموض مبررات وضع دولة في قائمة “دول المنشأ الآمنة” يُثير احتمال التلاعب “بناءً على العلاقات الدبلوماسية أو الاعتبارات السياسية، بدلًا من التقييم الدقيق والموضوعي للأوضاع”.

ويتفق ألينيوس بوسيروب مع ذلك بالقول: “إذا كنت ستستخدم قائمة دول المنشأ الآمنة، فعليك على الأقل أن تفعل ذلك بشكل صحيح. فالمعايير المستخدمة لإعلان بلد معين آمنًا أو غير آمن تبدو، في أحسن الأحوال، غامضة وغير موثقة بشكل كافٍ”. ويرى أن وضع المغرب على القائمة أمرٌ قابل للنقاش، “لكنه غير قابل للنقاش أصلاً عندما نتحدث عن مصر وتونس”، على حد تعبيره.

سألت DW المفوضية الأوروبية، في ضوء الأحكام القاسية التي صدرت بحق معارضين سياسيين في تونس، عما إذا كانت لا تزال متفقة مع تقييمها السابق بشأن “استقلال” النظام القضائي التونسي.

لم يُقدّم متحدث باسم المفوضية إجابة واضحة. وكرّر متحدثون أنه ليس كل شخص قادم من “دول المنشأ الآمنة” آمن بالفعل، وأن الدول الأعضاء لا تزال مُلزمة بإجراء “تقييمات فردية”. وأضافوا أن “المفوضية ستراقب قائمة الاتحاد الأوروبي بانتظام. وإذا وجدت المفوضية أي تغيير كبير نحو الأسوأ… يُمكنها تعليق التصنيف”.
أعده للعربية: محيي الدين حسين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى