اخبار العراق

بغداد تضيق بأهلها.. أمتار صغيرة للعيش وسيارات تخنق العاصمة

بغداد “تختنق”

بمراجعة للسنوات القريبة السابقة، وربما اللاحقة، لحجم الاكتظاظ السكاني في العاصمة بغداد، ففي عام 2022 احتلت العاصمة العراقية بغداد المرتبة 52 عالمياً ضمن قائمة أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان لعام 2022 من أصل 500 مدينة مدرجة بالجدول حسب مجلة (CEOWORLD) الأمريكية.

وقد جاءت بغداد بعد العاصمة القاهرة عربياً من حيث اكتظاظ السكان فيها، التي بلغ عدد السكان في الاخيرة 21.750.020 مليون نسمة، مبينة أن “الخرطوم عاصمة السودان جاءت الثالثة عربيا بـ 6.160.327 ملايين نسمة، ومن ثم جاءت مدينة الاسكندرية في مصر بـ 5.483.605 ملايين نسمة، ومن ثم جاءت مدينة جدة في السعودية بـ 4.780.740 ملايين نسمة”.

عالميا، وحسب المجلة فإن “طوكيو عاصمة اليابان احتلت المرتبة الأولى عالميا كأكثر مدن العالم اكتظاظا بالسكان حيث بلغ عدد السكان فيها 37.274.000 مليون نسمة تليها مدينة دلهي الهندية بعدد سكان يبلغ 32.065.760 مليون نسمة، تليها مدينة شنغهاي الصينية بعدد سكان يبلغ 28.516.904 مليون نسمة”.

كما كشف موقع مراجعة سكان العالم الأمريكي في العام ذاته، أن “الكثافة السكانية أصبحت بواقع 85.140 شخصاً لكل ميل مربع في بغداد”، وهذا مع ما يعرف لدى البغداديين وفق مصطلحاتهم الدارجة بـ”تقسيم المنازل” الكبيرة الى مساحات أقل ومنها الحصول على 50 مترا او 60 من العائلة الواحدة من منازل كانت مساحتها تصل الى 400- 600 متر واكثر ضمن مناطق من مدينة بغداد بسبب حجم الزيادة الكبيرة في السكان.

يتزامن هذا مع توضيح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي وفق إحصاءات أعدتها الوزارة في عام 2022 أن سكان العاصمة بغداد بلغ 8 ملايين و750 ألف نسمة، والموصل 4 ملايين، والبصرة 3 ملايين، مبينا أنه وفق هذه الزيادات قد يصل عدد سكان العراق إلى 80 مليون نسمة بحلول عام 2050.

ووفق إحصائية أعدها الجهاز المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط للسنوات من (2015-2030)، فإن عدد سكان العراق في العام الحالي 2024، بلغ 44,414,800 مليون، فيما سيبلغ عدد سكان العراق عام 2025 وفق الإحصائية، 45,520,500، وفي عام 2026 سيبلغ سكان العراق، 46,639,900، وفي عام 2027، 47,771,600، وفي عام 2028، 48,914,100، وفي عام 2029، سيبلغ عدد سكان العراق 50,061,500، وفي عام 2030، سيبلغ عدد سكان العراق 51,211,700 بزيادة مليون نسمة تقريبا سنوياً.وبين الارقام المتناثرة فإن عدد السكان المتوقع للعاصمة بغداد في عام 2030 سيكون بحدود 11مليوناً و375 ألف نسمة في ظل واقع العاصمة الحالي، بحسب امين بغداد عمار موسى، في تشرين الأول 2023، وبذلك لن تستوعب العاصمة هذه الزيادات، بالتالي يجب اللجوء إلى إنشاء مدن جديدة خارج حدود العاصمة لاستيعاب هذا الزخم” بحسب المسؤول الحكومي. ويبدو أن “نهار بغداد يختلف عن ليلها”، وحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في شهر آذار 2023، فإن العاصمة بغداد تأتي في مُقدّمة المحافظات الأكثر اكتظاظاً بالسكان، بواقع أكثر من 9 ملايين نسمة، ترتفع هذه النسبة خلال النهار -عند إضافة قاصديها من باقي المحافظات لأغراض متعددة – لتصل إلى أكثر من 10 ملايين نسمة.وأجري آخر تعداد سكاني في العراق عام 1997، وعلى مدى 15 عاما الماضية لم تتوافق القوى السياسية على إجراء التعداد الذي يعتبر الأساس في توزيع الثروات في البلاد ورسم الخطط التنموية وتقويم نتائجها ووضع الخطط الصحيحة لإعادة الإعمار.

خطط حكومية

وعمدت حكومة محمد شياع السوداني، لإدارة مسألة هذه الزيادات السكانية وخصوصاً في العاصمة بغداد، ووضعت ما تصفها بحلول ضمن حزم لحل هذه الاختناقات التي باتت العاصمة لا تستوعبها تمثلت بإطلاق مشاريع الحزمة الأولى من المشاريع لفك الاختناقات المرورية عبر مشاريع لإنشاء جسور ومجسرات وأنفاق في العاصمة بغداد من المفترض أن ترى النور هذا العام وفق إطلاق حكومة السوداني على هذا العام بـ”عام الإنجازات”.

كما أطلقت الحكومة مجموعة من المدن السكنية لمواجهة الاكتظاظ السكاني وعدم توفر سكن لائق للعراقيين، كان أبرزها مدينة الجواهري في بغداد، والغزلاني في نينوى، والجنائن الجديدة في بابل، وضفاف في كربلاء المقدسة، كان آخرها توقيع عقد مدينة علي الوردي برعاية السوداني وحضوره، عبر توقيع العقد بين وزير الاعمار والإسكان بنكين ريكاني مع شركة اورا لصاحبها نجيب ساويرس في ،31 كانون الثاني 2024، والتي ستنفذ في منطقة النهروان، جنوب شرقي بغداد، بواقع 120 ألف وحدة سكنية.

ووفق تقديرات حكومية خاصة بمديرية المرور العامة، فإن العاصمة بغداد، تشهد يومياً تواجد 4 ملايين سيارة فيما شوارعها لا تصلح سوى لـ400 ألف سيارة، أي أن الزيادة الحالية في شوارع بغداد وحدها تقدر بـ10 أضعاف عن العدد الموجود حالياً، في حين وصف مختصون أن بغداد قد يدخلها يوميا نحو 7 ملايين سيارة، فيما تأمل الحكومة العراقية أن تعمد المشاريع الجديدة ضمن حزمتها الأولى لتقليل زخم الازدحامات المرورية.

وضمن الخطط الخمسية لمعالجة هذه الأزمة، يشير المتحدث باسم وزارة التخطيط، في 4 آذار 2023، الى أن “هناك إجراءات لاستيعاب هذه الزيادات السكّانية، حيث أقرّ المجلس الأعلى للسكّان برئاسة رئيس مجلس الوزراء، الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية المُحدّثة، وهذه الوثيقة تتضمن رؤى بعيدة المدى لتوفير متطلبات الحياة، والاستفادة من الزيادة السكّانية، وتحويلها إلى مُحرّكات تنموية”. ويوضّح، أن “هذه السياسات تتمحور حول تحسين واقع قطاعات الصحة والتعليم والسكن، ودعم الفئات الهشّة في المجتمع، وتحقيق شراكات بين القطاعين العام والخاص، والتركيز على تطوير الدراسات والبحوث التي تتناول قضايا السكّان، وإعطاء الأولوية لهذه القضايا ضمن خُطط التنمية”.

ويؤكد الهنداوي، أن “هذه السّياسات التي تضمنتها الوثيقة سوف تُترجم إلى إجراءات من خلال خُطط التنمية الخمسية، وأن الوزارة تستعد الآن لإعداد خطط التنمية الخمسية للسنوات الخمس المُقبلة، وأن هذه الخُطة سوف تأخذ بنظر الاعتبار واقع الزيادة السكّانية وقضايا الاقتصاد والتنمية، من أجل اتخاذ الإجراءات والسّياسات المُناسبة لمعالجة قضايا السكان”. وكانت الحكومة العراقية، أعلنت في 15 شباط 2023، إقرار الوثيقة الوطنية للسياسات السكّانية “المحدّثة”، مشددة على ضرورة تهيئة الظروف لغرض إجراء التعداد السكّاني في البلاد.

وأكد أمين بغداد، عمار موسى، في 14 تشرين الأول 2023، أن “معالجة الاكتظاظ السكاني في العاصمة بغداد وبحسب رؤية المخطط الإنمائي الشامل للمدينة، هو خلق مدن جديدة خارج حدود العاصمة بغداد”، موضحاً أن “إنشاء المدن الجديدة سيعود بالنفع على العاصمة بغداد، كونه سيخلق مدنا محاذية للعاصمة بغداد ويقلل من الزخم السكاني الموجود في داخل العاصمة”. وأكد أمين بغداد، “ماضون بقوة وبرعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، لخلق مشاريع تخدم العاصمة بغداد، ولفك الاختناقات السكانية في داخل العاصمة”.

تأثير بيئي

ويؤكد مدير مشروع العدالة البيئية وأمن المناخ جنوبي العراق، فلاح الأميري، في 4 آذار 2023، أن “زيادة معدل النمو السكاني أشدّ خطورة على البيئة من الملوثات بمختلف أنواعها وأشكالها، فالعلاقة بين ارتفاع نسب التلوث والازدياد في معدل النمو السكاني هي علاقة طردية”.

ويوضح، أن “المشكلة المرتبطة بين ارتفاع نسبة النمو السكاني مع تلوث البيئة تكمن في أن قطاع الخدمات والصحة والتوسع في الاسكان يكاد يكون معدوماً أو متباطئاً جداً، أي أن هناك متوالية عددية هندسية ومتضاعفة لمعدل نمو السكان مع انعدام نمو هذه القطاعات أو جمود توسعها وتطويرها، فهنا تكون أصل المشكلة”.

ويشير إلى أن “حجم الخدمات ومؤسساتها ما زال نفسه دون تغيير يتناسب مع حجم النمو السكاني، فتظهر بوضوح هذه الملوثات مثل الملوثات الصلبة، وأحيانا لا تظهر الا عند الاختصاص مثل ملوثات الهواء أو التربة، وتؤدي هذه المعادلة المتوالية إلى استنزاف في الموارد واندثارها بصورة متسارعة مثل خدمات الطرق والجسور والقطاع الصحي وقطاع التعليم والمياه”.

ويبين، “وفي جانب آخر نجد أن هناك تلوثا سمعيا وبصريا وضوضائيا واضحا، بسبب تكدس السكّان في الوحدات الإدارية ذاتها، والتي لم تتوسع أو يتم تطويرها وبقيت على حالها، وهو ما يشير إلى كارثة قد تؤدي بالتدرج نحو الانهيار الاقتصادي والبيئي في حال عدم معالجة المهتمين وأصحاب القرار لها”.

من جهته قال موقع بغداد بروجيكز (مشاريع بغداد)، وهو موقع متخصص بدعم المشاريع العمرانية في العاصمة بغداد، في 14 كانون الثاني 2024، إن “العاصمة بغداد على موعد مع تنفيذ أكبر مجزرة بحق أشجارها المعمرة في تاريخها الحديث التي تميز مقتربات النهر من جهة الجادرية”. وأضاف الموقع أن “هذا الأمر سيحدث بسبب ما يروج له من حل لمشكلة الاختناقات المرورية”، مبينا أن “الجهات المعنية تناست أن الحل الجذري يكمن في تنفيذ نظام نقل عام حديث يستوعب تنقل ملايين المواطنين يومياً دون الحاجة لاستخدام سياراتهم الشخصية”.

ويبين الموقع أن “فك الاختناقات المرورية يكون بتوفير البدائل وهي نظام المترو ويشمل مسارات ومحطات خاصة بالحافلات العامة، وخطوط الترام، وشبكة المترو”، لافتا الى أن “مشروع الجسر الجديد في أبو نواس سيدمر الغطاء النباتي المتبقي في شارع أبو نواس وضفة النهر في الجادرية، وحدائق جزيرة الاعراس ويزيد من التلوث عبر تشجيع المواطنين على استخدام المزيد من السيارات الخاصة للتنقل بدل فعل العكس بعد توفير البدائل”، واصفا حلول المشاكل المرورية بأنها “ترقيعية شكلية ولن تحل الاختناقات المرورية”. وتشكو العاصمة من عدم وجود المساحات الخضراء التي يمكن ان يلجأ اليها المواطنون خصوصا قرب نهر دجلة الذي يعد متنفسا للبغداديين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى