ثقافة وفن

تشريح سلسلة الأحداث القاتلة في الحرب اللبنانية في رواية لمروان شاهين

ترجمة: عدوية الهلالي
ولد مروان شاهين في مدينة ليون عام 1982 لأب لبناني وأم فرنسية، نشأ وترعرع في ضواحي باريس وكان شغوفًا بدراسة الفلسفة. وبعد سنوات قليلة، تحول إلى دراسة الصحافة، ثم تدرب في صحيفة ليبراسيون، وبعد ذلك انضم إلى فريق متابعة الأخبار من الضواحي والأحداث المختلفة لمدة عامين، وعندما طلب منه الذهاب إلى القاهرة كمراسل للصحيفة، لم يتردد، ومن هناك بدأ الاهتمام بالشرق الأوسط والبحث في تاريخ المنطقة. وبعد ثلاث سنوات في القاهرة سمحت له بتغطية الثورة وآمالها وإخفاقاتها، شعر بالحاجة إلى الابتعاد عن مهنة الصحافة، وفي عام 2015، وصل إلى بيروت حيث استقر في شقة عائلية بمشروع روائي غامض. لكن الصحافة هي التي جذبته مرة أخرى، ومع اقتراب مرور أربعين عاماً على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، شرع في كتابة مقال لصحيفة لونوفيل أوبزرفاتوار حول قضية حافلة عين الرمان التي أشعلت شرارة الحرب في 13 نيسان 1975.كان قد خطط لتخصيص أسبوعين للتحقيق في أحداث هذا اليوم الكارثي، ولكن في نهاية المطاف، أمضى عشر سنوات من حياته في العمل على هذا الأمر. وكانت النتيجة عملاً كثيفًا يتكون من أكثر من خمسمائة وخمسين صفحة ونصًا هجينًا يتضمن تحقيقًا ومقالًا وقصة مثيرة وقصة سيرة ذاتية، والتي على الرغم من أنها تقدم إجابات راسخة، إلا أنها تثير العديد من الأسئلة.
لقد رسم شاهين صورة لبلد تطارده أشباحه، ويحاصره ماضٍ يتجنب مع ذلك التشكيك فيه بوضوح، وتعامل بشجاعة مع كل هذه المفارقات ونجح في إبهارنا في كتابه (بيروت، 13نيسان 1975)…وفي هذا الحوار الذي اجرته معه صحيفة لاكروا، تحدث عن هذا المشروع المجنون والطريق الطويل الذي قطعه للقاء بلد لم يكن يعرف عنه سوى القليل.
*كيف أتيت للعمل على قضية الحافلة هذه، بعد أن عدت إلى لبنان بمشروع كتابة رواية؟
-من خلال المناقشات مع الأصدقاء الصحفيين، ظهرت فكرة أنه من الضروري إعادة بناء تسلسل الأحداث التي أدت إلى القتل والحريق. في البداية، كان الأمر يتعلق بكتابة مقال، ولكن بعد هذا العمل الأول الذي استغرق مني أسبوعين، ظلت الرغبة في المضي قدمًا موجودة. لم أجمع أي نسخة واضحة عما حدث في ذلك اليوم، ولكني جمعت روايات كثيرة. والآن بعد أن انتهيت من الكتاب، أدركت أنه كان مشروع حياة، لكنني أدركت بسرعة أنه خارج البعد التاريخي لبحثي، كانت هناك قضية مرتبطة بقصتي الشخصية.

  • قلت: “هناك أشياء كثيرة تربطني بهذا التحقيق لدرجة أنني أشعر أحيانًا بأن وجودي كله كان يميل فقط نحو هذه الحافلة.”؟
    -لقد تأثرت طفولتي بأكملها بهذه الحرب وهذا البلد الذي لم أكن أعرفه، منذ أن ولدت في فرنسا ولم أقض هناك سوى بضعة أسابيع من الإجازة في الصيف. اضطر والدي إلى مغادرة لبنان، تاركاً جزءاً من حياته لم يتحدث عنه إلا قليلاً.. لذلك كان عليّ أن أستعيد لبنانيتي وأعيد التواصل مع جزء من نفسي. شعرت بكل هذا بشكل غامض، دون أن أعلم بعد أن تحقيقي سيعيدني، في مناسبات مختلفة، إلى أشخاص أو حلقات من تاريخ عائلتي. على سبيل المثال، عندما اكتشفت أن مطلق الرصاصة الأولى، يوم 13 نيسان الشهير، كان صديقًا لجدي وأن هذا الجد كان أيضًا سائق حافلة.
    *كيف تمكنت من التمسك بهذا المشروع، على الرغم من أنك مررت بمراحل الإحباط التي فقدت فيها معنى عملك وشعرت وكأنك تدور في دائرة مفرغة؟
  • كانت الصعوبة الكبرى هي العثور على لغة تروي كل هذا، وكذلك العثور على المسافة اللازمة للكتابة. سألت نفسي الكثير من الأسئلة. ما الذي أريد أن أقوله في النهاية،هل يجب أن أروي قصة التحقيق؟ إخفاقاتي؟ خيوط كاذبة؟ العلاقة المضطربة بين شهود الحدث والذاكرة؟ هل يمكنني مزج قصة شخصية مع هذه القصة الجماعية؟ ولكن قبل كل شيء، كان علي أن أجد صوتي. لذا، نعم، كانت هناك لحظات من الإحباط، ولكن عندما تحدثت عن عملي، أظهر الأشخاص الذين تحدثت إليهم الكثير من الاهتمام وشجعوني حقًا على الاستمرار.
    *وأخيرا، ما هو أكثر شيء تفتخر به؟ ما هي النتيجة، ما هو الاكتشاف الذي يجلب لك أكبر قدر من الرضا؟
    -أعتقد أن هدفي كان كتابة قصة مشتركة، يمكن قراءتها ومشاركتها من قبل الجميع. مقاربة تثير الكثير من التساؤلات: هل من الممكن معرفة حقيقة ما حدث؟ إلى أي مدى يمكننا توثيق أنفسنا؟ وما هي حدود مثل هذا العمل؟ أين الحقيقة التاريخية؟ هل يمكننا أن نقول كل شيء؟ هل هناك أشياء من الأفضل إخفاؤها بسبب تأثيرها على الناس؟ أعلم أن الحياد مستحيل، لكنني لم أرغب في الانحياز أو إثارة الكراهية، ولم أرغب في إيذاء أي شخص. وتساءلت أيضاً: ما معنى كل هذا إذا لم يكن هناك عدالة؟ إذا لم تتم محاكمة أحد، إذا لم يكن على أحد أن يحاسب على أفعاله؟ لذا، أود أن أقول إنني أوضحت أن الأساطير أقوى من الحقائق. وفي غياب التاريخ المشترك والعمل الجاد على الحقائق، يقوم الجميع ببناء نسخة مما حدث في ضوء معتقداتهم السابقة. وهذا ليس حكرا على اللبنانيين، فلسنا الوحيدين الذين نعمل بهذه الطريقة. غالبًا ما يكون الاستيلاء على الحقائق أسطوريًا: فنحن نروي لأنفسنا قصصًا، ونشوه الحقائق لخدمة قصتنا وأيديولوجيتنا.
    *أنت تقول “نحن اللبنانيين”. هل كتابة هذه القصة تجعلك تشعر بأنك لبناني أكثر من ذي قبل؟
    -نعم حقا. هذه القصة هي محاولة لخلق قصة لبنانية. ويقال لي أيضًا، وفي كثير من الأحيان، أنني أشبه والدي. سيكون لهذا المشروع ميزة كبيرة وهي التقريب بيننا. لقد كان حاضرًا جدًا، وأوصى لي بالكتب والمقالات، وساعدني في ترجمة المستندات، وأعطاني رأيه في بعض النقاط. أعتقد أحيانًا أنه من أجل التقرب منه، لفهم قراره بالمغادرة، انغمست في أحشاء هذا البلد المريض.
    *العديد من الشخصيات تمر عبر هذه القصة. لنتحدث عن أحدهم، سامي حمدان، الذي يحتل مكانة مهمة هناك؟
    -سامي حمدان هو صانع العربات الذي سيستعيد حافلة 13 نيسان الشهيرة التابعة للسائق مصطفى رضا حسين. تريد زوجة حسين التخلص منها لأنها مقتنعة بأنها جلبت لهم الحظ السيء، فتعطيها لميكانيكي. يعرض حمدان على الأخير التبادل: مقطورة للحافلة. حمدان يريدها بسبب قيمتها الرمزية، على الأقل هذا ما يقوله لي. ولكن هذا أيضًا لأنه يعتقد أنه يمكنه الحصول على سعر جيد جدًا مقابل ذلك. لكن الحافلة ستقبع نحو ثلاثين عاماً في حديقة منزل تملكه أخته في جنوب لبنان. ومع ذلك، سيعيش حمدان لحظتين من المجد بفضل الحافلة: عندما يتم عرضها في مضمار سباق بيروت عام 2007، ومؤخراً عندما تقوم جمعية أومام باستخدامها كجزء من معرض عن ذاكرة الحرب. في هذه المناسبة، سيكون حمدان في دائرة الضوء الإعلامي، وهذا سيدفعه إلى المطالبة بمبالغ جنونية بشكل متزايد لبيع حافلته. من الواضح أن شركة أومام لن تكون قادرة على دفع هذا المبلغ الكبير ولن يتقدم أي مشترين آخرين أيضًا، لذا عادت الحافلة أخيرًا إلى حديقة أخته حيث لا تزال تعاني. تبدو لي قصة سامي حمدان وكأنها كناية عن علاقة اللبنانيين بذاكرتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى