ثقافة وفن

تمثال الملك الباكي الذاكرة ومواجهة الواقع

ريسان الخزعلي
تمثال الملك الباكي، مجموعة القاص المبدع / عبد الأمير المجر /..، تتشاغل قصصها بما هو ذاكرة في مواجهة الواقع، أي أنها قصص تعتمد المقارنة سرديّا ً بين زمنين يتداخلان باستمرار في صياغة المتن القصصي وبنائه، زمن الصحوة الأولى الطفولية، وزمن يقظة الوعي، هذا الوعي الذي أدرك َ الحروب والحصار والزوال والخراب. في قصص الزمن الأول، تستعيد الذاكرة المكان الريفي وزمانه وكأنّهما حضور دائم البراءة في مدركات القاص، إذ أن َّ خيالي ّ الأب والأُم يُداهمان هذه المدركات، وكأنّهما حاجات فنيّة تُرسّخ تاريخ ومصداقيّة واقعيّة الحكايات. كما تؤرّخها أيضاً وقائع أخرى شاغلة للذاكرة (البطّة الذبيحة ومعلّم التاريخ).
أمّا في قصص الزمن الثاني، زمن يقظة الوعي، فإن َّ المعالجات الفنيّة جاءت في خط تصاعدي يُشير إلى جهة الفن القصصي الحداثي، الفن الذي يعتمد: تداخل الأزمنة، غرائبيّة الموضوعات، المزج بين الواقعي والمخيالي، الحبكات المتناوبة، السرديّة غير المثقلة بالحوارات، استعادة حوادث قديمة وإسقاطها على ما يُمثالها، دهشة النهايات، الكشف عن الغرائز والروحانيات بالتلميح، الترميز الخفي الذي يتعالق ويتواشج مع كل ما يحصل من تعارضات وتحوّلات في المجتمع، حياتيّة آنيّة: سياسيّة، اجتماعيّة، اقتصادية، نفسيّة.
إن َّ القصص: كتاب الخراب، تشوّه غير ولادي، صدى أغنية قديمة، مرآة الأب، في حضرة الرجل الحكيم، الدولاب العظيم، بين السفارة والمقبرة، ليلة القنفذ الصغير (وإن تشابهت مع مسخ كافكا)..، تمثال الملك الباكي. هي النماذج الألصق فنيّا ً وتكنيكيّا ً ودلالة َ بما وصفناه بجهة الفن القصصي الحداثي. وسيطول الاستغراق لو شرحنا مضامين هذه القصص، لأن القصص هي الأجدرعلى القول لحظة القراءة، كما أنّي لا أميل إلى قراءة ٍ تذوّقيّة ٍ تعتمد الشرح – كما يحصل في القراآت والكتابات هذه الأيام – بقدر ما أميل إلى كشف الملامح الفنية التي توافرت عليها القصص، كلّما كان ذلك ممكنا ً في حدود التجربة واللون.
إن َّ قصة (تمثال الملك الباكي) يصح ُّ أن َّ تكون استهلالا ً لرواية ٍ فيما لو توّسعت وبحثت ْ في السجل الخفي والمعلن لهذا الملك، ولكانت مقاربة ً واقعية ً عصريّة ً مع نهايات (الملك أو الملوك). ولتطابقت هذه الرواية التي افترضها مع قوله في قصة (نصب الأمهات المجهولات)..:
الدولة كل عام تحتفل بنا بوصفنا (جنودا ً مجهولين)..، لكنّها لم تقم لأمهاتنا نصبا ً إلى اليوم، لأنّها لاتعرف توصيفا ً للنصب الذي ينبغي إقامته ُ لهن ّ..!.
إن َّ الذاكرة ومواجهة الواقع في قصص (تمثال الملك الباكي) كشفتا سرديّا ً سريّة َ ما يخفى على البصر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى