جواهر سينمائية.. توثيق لحياة ثلاثة رموز سينمائية
علاء المفرجي
كانت السينما العراقية قد شهدت عبر تاريخها الطويل الذي جاوز الستين عاماً بروز قامات وشخصيات سينمائية في مختلف مفاصل العمل السينمائي كان لها اسهاماتها الفاعلة في إنجاز العديد من الأفلام السينمائية العراقية التي تراوحت في مستوياتها، وكان لها الفضل في وضع بصماتها الواضحة على التاريخ الناصع لهذه السينما التي كانت ومازالت من أعرق السينمات في المنطقة والوطن العربي، وتأكيد قدراتها في جعل الحياة أجمل من خلال خلق وابتكار النّادر والبنّاء والأزلي والمدهش والساحر.
وكان مهرجان بغداد السينمائي الذي أقيم في بداية هذا العام، ليؤشر حجم الاهتمام والرعاية والاحتضان للسينما العراقية بهدف تطويرها والارتقاء بها وتفعيل الحراك السينمائي بتجلياته المتنوعة، وتسليط الضوء على القامات السينمائية التي كان لها الكثير من الأدوار المهمة والجادة على طريق نهضة وتطور السينما العراقية .
والشيء المتميز في هذا المهرجان ليس لأن دورته الأولى تحمل فقط اسم شيخ مخرجي السينما العراقية (محمد شكري جميل)، وإنما لأن هذا المهرجان يحتفي بمنحه (جائزة إنجاز العمر) تكريماً لمسيرته السينمائية الطويلة وما قدمه من روائع سينمائية متميزة ما زالت راسخة في الذاكرة الفنية. وأمتد هذا التكريم الى الفنان القدير قاسم الملاك نجم الكوميديا الأول في العراق وإسهاماته السينمائية المتنوعة، والفنان القدير سامي قفطان الذي يعد الأكثر حضوراً في السينما العراقية من خلال عدد الأفلام التي شارك فيها ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً.
وكان هؤلاء الفنانين الرواد والذين يعدون من أبرز رموزنا السينمائية في العراق، كانوا – فعلاً -بعطاءاتهم وإبداعاتهم (جواهر سينمائية) غالية الثمن وعظيمة الفعل والتأثير، وستبقى تشع بالأصالة والإبداع والجمال.
وكان ذلك عنوان الكتاب الذي وضعه الكاتب والإعلامي عبد العليم البناء، والذي صدر عن المهرجان نفسه، لقد تناولت في الكتاب مسيرة هؤلاء الرموز السينمائية النادرة والفريدة وتجاربهم التي ميزتهم عن بقية أقرانهم من السينمائيين العراقيين، وربما العرب، فأفردت – بعد المقدمة – لكل واحد منهم فصلاً ابتدأته بمقدمة وافية عنه، وحوارت شاملاً اجراها المؤلف في وقت سابق، حيث توقفت فيه عند محطات متعددة من مسيرتهم السينمائية المشرقة، إضافة الى سيرتهم الإبداعية وانتاجاتهم السينمائية والفنية في سطور، فضلاً عن وجهات نظر بعض السينمائيين والنقاد بتجاربهم وبإبداعاتهم المتنوعة..
وخصص المؤلف الشكر لزميله الفنان الفوتوغرافي المبدع علي عيسى، «الذي عشت وإياه نصف قرن وأكثر من الزمن في حومة ومعمة وعوالم صناع الجمال (محمد شكري جميل، وقاسم الملاك، وسامي قفطان)، طوال المشوار الوظيفي والإبداعي الجميل الذي عشناه بالطول والعرض في دائرة السينما والمسرح التي ننتمي لها سوية، فكان علي عيسى يوثق بعدسته وأنا بقلمي. «
وختم الكتاب بملحق صور شامل لإنتاجات وعطاءات وملصقات معظمها بعدسة علي عيسى باستثناء بعض اللقطات الشخصية (البورتريه) التي كانت للفوتوغرافي المبدع حيدر اتحاد كريم المصور الخاص لمجلة (السينمائي).
ومما جاء في الكتاب على لسان هؤلاء الفنانين، ما قاله المخرج محمد شكري جميل: « السينما يا صديقي مجموعة فنون وليس فناً واحداً، هي (إنسكلوبيديا أوف آرت) أي دائرة معارف الفنون، فالفن السينمائي يتكون من كل الفنون بما فيها الهندسة والنجارة والتخطيط وغيرها ،فأنت عندما تربي هذا الكادر سيتكون لديك مجتمع كامل، والاستوديوهات التي تدخلها تشاهد فيها كل هذه الإختصاصات والبيئة الخاصة بها.»
فيما ذكر الممثل سامي قفطان:» إذا كان ثالوث الأبداع هو الموهبة والدراسة والعمل، فأنا أضيف عاملاً آخر هو الجمهور الذي يمكن أن يساعد على استمرارية نجاح الفنان الذي يمتلك الموهبة، ولن يرضى عنه الجمهور حتى لو كان حاملاً لشهادات عدة وعمل في أغلب الأعمال».
فالكتاب أضافة لأهميته التوثيقي لهؤلاء الفنانين، فأنه عربون محبة ووفاء لتأريخ ورحلة جمالية مشتركة عشتها مع هؤلاء المبدعين الكبار، الذين طرزوا فضاءات وسماوات العراق بـ (جواهر) إبداعاتهم. السينمائية، التي ستظل راسخة على مر الزمن…وأخطط لإنجاز أكثر من كتاب عنهم وعن غيرهم من مبدعي وتجارب الفن العراقي بعونه تعالى..