حلمي التوني.. البحث الإركولوجي في النصوص الأدبية والأسطورية والحكايات الشعبية
خنساء العيداني
حينما نعى الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزيرُ الثقافة المصري، الفنانَ التشكيلي حلمي التوني، لم يجد ابلغ من وصف حلمي التوني بأنه: (أحد حراس الهوية المصرية)، “الذي شكل وجدان جيل بأكمله بأعماله الخالدة، ليرحل تاركًا بصمات لن تمحى على الساحة الفنية من خلال أعماله المتميزة، والتي أسهمت في إثراء الثقافة البصرية على مدار عقود”.
لقد تنوعت الاهتمامات الفنية للفنان حلمي التوني الى أنماط عديدة من الاهتمامات أهمها: الرسم والتصوير والكاريكاتير والرسوم الصحافية وتصاميم الغرافيك، وتصميم الاغلفة، وكان في كل هذه التنوعات قادرا على التعامل مع كل نمط بخصوصية وتفرد عن الاخرين بما يشكل إضافة الى النمط الذي يشتغل فيه فكان ان احدث تحولات في الرسم الكاريكاتيري المصري وفي تصميم اغلفة الكتب حيث عده المهتمون بالفن التشكيلي مدرسة مختلفة وخاصة واضافة مختلفة لكل فن من هذه الفنون؛ فكان التوني “يتعامل مع كل وسيط من هذه الوسائط بالقدر نفسه من الاهتمام، كما يربط بينها بمجموعة من المفردات والعناصر المشتركة التي يوظفها في أعماله وتتخذ المرأة فيها مكانة خاصة وبارزة، فهو يحتفي بها كرمز ومنطلق للبناء البصري داخل اللوحة، وهي دائماً ما تمثل الإطار والمركز الذي تتحلق حوله مكونات أعماله من رموز وعناصر أخرى” (ياسر سلطان).
اقتبس الرسام المصري حلمي التوني (محافظة بني سويف بمصر1934-2024) في واحد من معارضه الأخيرة التي كرسها عن المرأة، غاليري بيكاسو للفنون في القاهرة وكان بعنوان: (أنا حرة) الذي اقتبسه من عنوان لرواية لإحسان عبد القدوس تحولت عام 1959 إلى فيلم كتب له السيناريو نجيب محفوظ وأخرجه صلاح أبو سيف. وقد يقول قائل ان حلمي التوني قد اقتبس اشكاله او على الأقل عوالمه من الرواية او الفيلم، ولكننا نعتقد ان الرواية جاءت، والفيلم ربما، منسجمة منع أجواء اعمال حلمي التوني فاختار ربما (موضوعاته السردية) منهما، لان تجربته طوال حياته المديدة (90 عاماً)، ومنذ بداية مسيرته الإبداعية منذ خمسينيات القرن الماضي، وكانت احتفاء بالمراة وحضورها الكثيف في منجزه الفني.
إن تناول التوني للمرأة كمحور رئيس في لوحاته، هو أمر ليس بجديد، فمن يتابعون تجربته يدركون مدى ما تتمتع به المرأة من حضور لافت في معظم معارضه التي قدمها خلال مسيرته الفنية؛ فكانت المرأة مصدر الطاقة التي استمد منه تجربته الفنية؛ فكانت تظهر في عدة (نماذج) حسب وضعها الاجتماعي.. فكان ينتصر لها أحيانا فيمنحها جناحين اما لتمكنها من التحليق والهروب من القهر الاجتماعي، او ليعطيها مسحة مقدسة تشابه ما فعله الاشوريون حينما منحوا (الأنوناكي) اجنحة ليعطونهم صبغة سماوية مقدسة.
ان استدعاء نماذج تاريخية للمرأة او نماذج أدبية مستقاة غالبا من روايات نجيب محفوظ، كان استراتيجيا ثابتا عند التوني في انجاز اعماله أولا وإنجاز الاغلفة الغفيرة للكتب والتي انجزها طوال مسيرته المديدة، وكان يستمدها أحيانا من التاريخ وأحيانا من التراث الشعبي المصري الزاخر بالحكايات وبالنماذج النسوية ومن الروايات والكتب التي انجز اغلفتها، وكان أحد أبرز مصممي أغلفة الكتب عربيا ودوليا.
يوائم حلمي التوني بين طزاجة وتعدد ألوانه وبين القصص والأساطير والحكايات الشعبية وروايات نجيب محفوظ، والتراث الفرعوني؛ متخذًا في كل هذه المصادر المرأة المصرية موضوعا دائما لأعماله وايقونة علاماتية ثابتة.
نبه الكاتب (ياسر سلطان) في مقال له بعنوان: (شمعة الأنوثة كما يرسمها حلمي التوني)، بأن حلمي التوني وفي استكشافه للموروث والعناصر الشعبية المستلهمة من البيئة والتاريخ المصري، يستلهم عنصرين يتكرران كعامل مشترك في تجربته المديدة وهما السمكة والشمعة، وقد اقام لهما معرضا تحت هذا العنوان “الشمعة والسمكة”.. وهما رمزان أنثويان، ولهما أبعاد ومعان تتجاوز طبيعتهما المادية، حيث تشير السمكة إلى المرأة والخير والخصوبة، وتذكرنا الشمعة بالحب والرومانسية، وأيضاً بالنور والاستنارة، وربما البحث عن الحقيقة.