رحيل الفنان التشكيلي سالم آل دباغ
نعت نقابة الفنانين العراقيين، يوم الاثنين، رحيل الفنان التشكيلي سالم آل دباغ في الولايات المتحدة.
وقالت في بيان، إن آل دباغ وافته المنية هذا اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية في إحدى مستشفيات سان دييغو.
وسالم آل دباغ، رسام عراقي وفنان تركيب اشتهر بعمله التجريدي الذي يشير إلى التقاليد العراقية، وكان رئيس قسم الرسوم في معهد الفنون الجميلة في بغداد من عام 1971 إلى عام 2000.
سيرة الفنان
سالم الدباغ، الرسام والفنان الجرافيكي المعروف، هو من جيل الفنانين الذين أثروا تطوّر حركات الفن الحديث في العراق منذ منتصف الستينيات. ولد سنة 1941 ونشأ في الموصل، وقد أنمى ذلك لدى الدباغ حباً لتقاليد مسقط رأسه، حب تحوّل بسرعة إلى نشاط ثقافي. درس الدباغ من 1958 إلى 1961 في معهد الفنون الجميلة في بغداد، حيث تدرّب على أيدي فنانين عراقيين حداثيين مرموقين، منهم جواد سليم وفائق حسن وإسماعيل الشيخلي وخالد الرحال. بعد حصوله على شهادة الرسم من المعهد، تابع الدباغ تحصيله الفني في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد من عام 1961 إلى 1965 حيث كان من أعضاء دفعة التخرج الأولى. كانت هذه الأكاديمية تضم فنانين حداثيين هما رومان ارتموفسكي من بولندا الذي كان يدرس الحفر والطباعة الفنية، وبوركو لازسكي من يوغوسلافيا، المعروف بلوحاته الجدارية. على الرغم من تدرّبه على التقنيات الفنية الكلاسيكية والواقعية البحتة، تجلت رغبة الدباغ وعدد من زملائه الطلاب في محاولات أولية جريئة لتجريب التراكيب شبه الهندسية والتجريد الفني.
تقول الناقدة الفنية مي مظفّر أنه لم يكن للدباغ أية علاقة وثيقة بالفن في طفولته. لكنه مع ذلك، عندما وقع بالصدفة على بعض الصور للوحات فان خوخ، شعر بالافتتان، إن لم يكن بالنشوة، أمام خصائصها الجمالية. معتبراً فان خوخ “أستاذه” الأول، اندفع الدباغ نحو المجهول، نحو عالم جديد مهد دربه إلى رحلته الفنية.
مع تبنيه موقفاً جريئاً في مجال الابداع والتجريب بأسلوب تجريدي، كان الدباغ أحد مؤسسي جماعة “المجددين” سنة 1965 وقد دشنها بمعرضه الأول الذي قدّم فيه عدداً من اللوحات التجريدية. إلى جانب الدباغ، تألفت جماعة المجددين من علي طالب وصالح الجميعي وطالب مكي ونداء كاظم وفائق حسن وصبحي الجرجفجي وطاهر جميل، شاركوا جميعهم في معرض جماعتهم الأول الذي أقيم في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد. التحق في السنة التالية كل من عامر العبيدي وخالد النائب وإبراهيم زاير بجماعة المجددين وشاركوا بالمعرض الجماعي الثاني في جمعية الفنانين العراقيين في بغداد. رداً على نكسة حزيران 1967، شاركت مجموعة المجددين في معرض جماعي للملصقات السياسية بعنوان “مقاومة” وأعلنوا “انتفاضة” ضد ما أسموه بـ “التقاليد والمفاهيم القديمة”. كان هذا المعرض الأخير الذي نظمته الجماعة حيث أن معظم أعضائها سافروا بعد ذلك بقليل لمتابعة تحصيلهم في الخارج. سنة 1966، نال الدباغ جائزة الشرف من معرض لايبزغ الدولي لفن الأكريليك، في ألمانيا. وفي 1967، كان من بين ثلاثة فنانين عراقيين، إلى جانب هاشم سمرجي ورافع الناصري، اختارتهم جمعية الفنانين العراقيين للحصول على منحة دراسية قدمتها مؤسسة غولبنكيان من أجل متابعة الدراسة في الجرافيك (الحفر)، في محترف غرافورا في لشبونة، البرتغال.
شارك الدباغ مع رافع الناصري وهاشم سمرجي في معرض جماعي للرسم سنة 1968 في لشبونة، البرتغال، وفي معارض أخرى لاحقاً في فن الجرافيك (الحفر) في 1971 و 1988. بعد عودتهم، أقام كل من هؤلاء الفنانين معرضاً فردياً ومعارض جماعية أخرى في هذا الفن، مسلطين الضوء على تركيبات حداثية في فن الحفر والطباعة الحجرية، وذلك في جمعية الفنانين العراقيين كما في بينالي لوبليانا في يوغوسلافيا سنة 1969. سجّل ذلك بدايات تطوّر فن الجرافيك في العراق وتزايد الاهتمام به في المنطقة مما مهد الطريق تدريجياً إلى المشاركة في معارض دولية لهذا الفن.
يذكر الدباغ، من ضمن مصادر إلهامه، افتتانه بواجهات الكعبة وخاصة شكلها المكعب خلال زيارته الأولى للسعودية. أعجب كذلك بمشهد النساء وهن ينسجن الخيام البدوية من وبر الماعز، وهو يعتبر ذلك رمزاً من الرموز الثقافية، ويقول: “في طفولتي، في طريقي إلى المدرسة، اعتدت على رؤية النساء ينسجن الخيام في الشوارع”. أستخدم الدباغ لاحقاً وبر الماعز كمادة فنية في أعماله، “استعرته من الطبيعة واستخدمته لخلق مفردات جمالية”، كما شرح.
تصوّر لوحات الدباغ الكبيرة الحجم، سواء على لوح خشبي أو على قماش، جوهر الأشياء أكثر منه شكلها. توحي أعماله للوهلة الأولى بهيمنة الأسود والأبيض وبالتالي استخدامه للون الواحد كما عرف عنه، وقد صرّح الدباغ، بالفعل، بولعه بأفلام الأسود والأبيض أكثر من الملوّنة. لكن، عند التأمل المعمق في أعماله، يصبح ميله للتعبير التجريدي جليا. ولمعالجة الجوهر، يلجأ الدباغ إلى مجموعة متنوعة من المفردات الجمالية، مثل الظلال والأشكال والخطوط الرفيعة والتدرجات اللونية في الأسود والأبيض بشكل رئيسي، بالإضافة إلى الحجم. لكسر حدة التجانس الرتيب، تتيح لوحاته التضاد اللوني وهي تقنية تسعى إلى تعزيز الاحتفاء بالتواصلات والتقاطعات الداخلية. يظهر في بعض الأحيان شعاع صغير أخضر و/ أو أحمر اللون، لا شكل له، ويحتل المكان الأقل بروزاً أو الزاوية الأكثر غموضاً، في لوحاته الضخمة، بينما يشاهد في لوحات أخرى مكعب أو مربع أو مثلث، أو قد تجتاح بعض الخطوط السواداء مساحة بيضاء؛ ربما تسعى الكتل هذه لرواية تجربة حياتية، حزينة كانت أم سعيدة، أو قصة حول الخيام في مسقط رأسه. استمد الدباغ إلهامه كذلك من المجوهرات التقليدية في استخدامه لألوان الأخضر والأحمر المشرقة.
علاوة على ذلك، يتمتع الدباغ بالقدرة على التلاعب بالمساحات التي يعبر من خلالها عن العديد من الحقائق، ويحقق هذه النتائج من خلال تفتيت المساحة الكثيفة بين مجموعة من التدرجات اللونية التي تجسد فكرة “الفضاء” اللانهائي. يبرز أسلوبه تفاعلًا بين أبعاد السطح و”الفضاء”. “إنها كتلة وليست فضاءًا فارغا”. إنها كتلة اختار أن يجرب الفنان عبرها مواضيعه حول “الجمال والحب والحرية”. ويشرح: “يمكن إيجاد الجمال في الكتلة، في الخيمة، في كل مكان… تصبح الكتلة البيضاء مهيمنة مقارنة بالسوداء.” على الرغم من التغيرات في معالجة المواد طوال رحلته الفنية، ظل الدباغ مخلصاً للمواضيع السردية التي تدور حولها أعماله، وهو يعرض بعناية الوقائع من خلال تفاعل معقد بين الموضوعي والذاتي، المرئي والخفي، المعنى الظاهر والمعنى المقصود. مع أن التعبير عنها يبدو صامتاً ورمزيا، تغمر هذه الوقائع مساحات لوحاته الضخمة على شكل كتل لا نهاية لها وطبقات متمايزة.
في سنة 2000، رعى الشيخ حسن بن خليفة آل ثاني إقامات للفنانين مما وفّر للفنانين العراقيين على الأخص مكانًا للتجريب الفني خلال فترة “الحظر القسري والموهن خلال التسعينيات”. كان من بين هؤلاء الفنانين العراقيين إبراهيم الصلاحي وضياء العزاوي وإسماعيل فتاح ونزار يحيى وعلاء بشير ومحمود العبيدي وسعدي الكعبي وشاكر حسن آل سعيد. شكلت الأعمال الفنية التي أبدعت خلال تلك الإقامات جزءًا من من معرض “سجّل: قرن من الفن الحديث” الذي أقامه متحف: المتحف العربي للفن الحديث، في الدوحة، قطر، عام 2010. أبرزت أعمال الدباغ في العديد من المعارض والتظاهرات الفنية العالمية، بما فيها معرض “الفن العراقي المعاصر” في دبي سنة 2008، كما أقام العديد من المعارض الفردية في بغداد بين سنتي 1995 و1998.
عمل الدباغ أستاذاً للفن والجرافيك وترأس قسم الجرافيك في معهد الفنون الجميلة في بغداد من عام 1971 حتى 2000. عمل بعد ذلك كخبير فني في دار الأزياء العراقية، ويسخر أوقاته حالياً للعمل في فنه داخل محترفه في بغداد.
المعارض
2010 معرض “سجّل: قرن من الفن الحديث”، الدوحة، قطر
2008 معرض “الفن العراقي المعاصر”، دبي، الإمارات العربية المتحدة
2005 “اقتفاء الأثر”، غاليري أورفلي للفنون، عمان، الأردن
1995 – 1998 معارض فردية، بغداد، العراق
1993 معرض “فنانون عراقيون معاصرون” في دارة الفنون، عمان، الأردن
1993 المعرض المشترك لثلاثة فنانين عراقيين: هيمت محمد علي وكريم رسن وسالم الدبّاغ في مؤسسة عبد الحميد شومان، عمان، الأردن
1990 معرض مشترك مع الفنان العراقي سعدي عباس، الكويت
1990 معرض جماعي “سبعة فنانين عراقيين”، منهم إسماعيل فتاح، محمد مهر الدين، علي طالب، سعدي الكعبي، في مؤسسة عبد الحميد شومان، عمان، الأردن
1989 معرض “بين دجلة والفرات”، معهد العالم العربي، باريس، فرنسا
1988 مهرجان بغداد العالمي الثاني للفن التشكيلي، بغداد، العراق
1986 مهرجان بغداد العالمي الأول للفن التشكيلي، بغداد، العراق
ـــــــــ بينالي النرويج، النرويج
1979 مهرجان كانيو سور مير العالمي للرسم، فرنسا
1978 مهرجان لشبونة للتصميم، البرتغال
1972 غاليري سلطان، الكويت
ـــــــــ معارض فردية، لشبونة، البرتغال وبيروت، لبنان
1971 بينالي بوينس آيرس الدولي الثاني للطباعة الفنية، بوينس آيرس، الأرجنتين
ـــــــــ معارض جرافيك (طباعة فنية)، لندن، المملكة المتحدة
1970 بينالي لييج الدولي الثاني للطباعة الفنية (الجرافيك)، لييج، بلجيكا
جوائز وأوسمة
1986 إنتر جرافيك في برلين، ألمانيا الشرقية
1985 جائزة معرض تكريم بابلو بيكاسو وخوان ميرو، بغداد ومدريد
1980 إنتر جرافيك في برلين، ألمانيا الشرقية
1978 جائزة الشراع الذهبية، الكويت
1966 معرض لايبزغ الدولي لفن الأكريليك، ألمانيا