أخبار العرب والعالم

رسوم ترامب والرد الأوروبي .. لعبة مصالح بتوازن لا يقبل الخطأ – DW – 2025/4/8

ربما يكون الأمر نابعًا من حدس جيد، أو مجرد نتيجة حتمية للتصعيد الخطابي القادم من الضفة الأخرى للأطلسي، لكن وزراء تجارة الاتحاد الأوروبي قرروا تقديم موعد اجتماع مجلسهم الاستثنائي. فبدلاً من الانتظار حتى شهر مايو/ أيار، اجتمعوا أمس الاثنين (السابع من أبريل/ نيسان) في لوكسمبورغ، في أول تجمع سياسي لهم منذ أحدث موجة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكانت هناك رسالة واضحة منذ البداية: سترد أوروبا بوحدة وتصميم. فقد وصف وزير التجارة الفرنسي، لوران سان-مارتان، الرسوم الجمركية الأمريكية بأنها “عدوانية للغاية وتعسفية”، مضيفًا أن “فرنسا تفضل التعاون على المواجهة”.
في غضون ذلك، شدد وزير الاقتصاد الألماني المنتهية ولايته، روبرت هابيك، على ضرورة التضامن الأوروبي، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن من تجاوز التوترات التجارية المتصاعدة إلا من خلال التعاون.
وكانت المخاطر المترتبة على هذه النقاشات كبيرة، بل وحتى الأهداف أكبر. فقد وصف مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، ماروش شيفوفيتش، اللحظة بأنها مفترق طرق حرج في التجارة العالمية، مشددًا في الوقت ذاته على أنه يجب على أوروبا أن تعيد ضبط وضعها لمواجهة ما وصفه بـ “نقلة نوعية” في التجارة الدولية.

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في لوكسمبورغ (7/4/2025) - ألمانيا من أكبر المتضررين من رسوم ترامب الجمركية.
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في لوكسمبورغ (7/4/2025) – ألمانيا من أكبر المتضررين من رسوم ترامب الجمركية.صورة من: Jean-Christophe Verhaegen/AFP/Getty Images

 

ما الذي حدث؟

في الأسبوع الماضي، تلقى الاتحاد الأوروبي ضربة قوية بعدما كشفت  الولايات المتحدة  عن جولة ثالثة من الرسوم الجمركية — وهي الأكبر حتى الآن. فبحسب ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب، ستُفرض رسوم بنسبة 20% على جميع السلع تقريبًا التي تُصدرها دول الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة. ويأتي هذا الإجراء بعد فرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، بالإضافة إلى رسوم مماثلة بنسبة 25% على صادرات السيارات، دخلت حيّز التنفيذ بالفعل.
التداعيات المحتملة خطيرة. إذ ستؤثر الرسوم الجديدة على نحو 70% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، والتي بلغت قيمتها 532 مليار يورو (585 مليار دولار) في عام 2024. وقد دافع ترامب عن هذه الإجراءات، مشيرًا إلى الفائض التجاري الكبير الذي تحققه أوروبا مع الولايات المتحدة الذي بلغ 235.6 مليار دولار (215.5 مليار يورو) في عام 2024، وفقًا لأرقام الحكومة الأمريكية.

تجنب أي ردود أفعال متسرعة

من كانوا يأملون في صدور بيانات فعلية ملموسة، حول كيفية رد الاتحاد الأوروبي على الرسوم الجمركية الكاسحة، أصيبوا بخيبة أمل، بعد اجتماع يوم الاثنين.

دعوات إلى إلغاء الرسوم الجمركية بين واشنطن وبروكسل.

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

وبدون تقديم تفاصيل محددة، أوضح مفوض التجارة ماروش شيفوفيتش أن التركيز الأساسي للمجلس كان على وضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات المضادة للتعامل مع  الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألومنيوم. ولكنه أقر بأن الجولة الأخيرة من الرسوم الجمركية “تجبرنا على التفكير في اتخاذ خطوات إضافية”.
وسيتم الآن تقييم الرؤى التي تم جمعها من الدول الأعضاء عبر وزرائها قبل اتخاذ أي قرارات لاحقة.

الهدف: تحقيق التوازن الصحيح

منذ إعلان ترامب الجريء في حديقة الورود  بالبيت الأبيض  يوم الأربعاء الماضي، ظل الاتحاد الأوروبي يناضل من أجل التوصل إلى طريقة فعّالة للرد.
وتقول سينزيا ألسيدي، وهي باحثة بارزة في مركز دراسات السياسة الأوروبية في  بروكسل: “يجب عليهم تحقيق التوازن بين الاستجابة السياسية الضرورية، أي مطالبة الولايات المتحدة بوقف إجراءاتها واتخاذ تدابير مضادة، وبين الواقع الاقتصادي المتمثل في أن تنفيذ الرسوم الجمركية قد يكون في النهاية  غير مفيد للاقتصاد الأوروبي”.

 

إيجاد موقف موحد

إحدى التحديات الرئيسية في صياغة رد موحد، هي كون الرسوم الجمركية الأمريكية لا تؤثر على جميع دول الاتحاد الأوروبي بنفس القدر. فقد كانت ألمانيا الأكثر تأثرًا من حيث حجم الصادرات، حيث صدرت سلعًا بقيمة تزيد عن 161 مليون يورو (176 مليون دولار) إلى الولايات المتحدة في عام 2024، ما يمثل 23% من إجمالي صادراتها. كما أن  إيرلندا  تواجه خسائر كبيرة أيضًا، حيث يذهب نحو 30% من صادراتها إلى الولايات المتحدة. بالمقابل، فإن دولا مثل هولندا وبولندا لديها عجز تجاري مع الولايات المتحدة ولا تتأثر بنفس القدر.
وقد أدى ذلك إلى مطالبة وزراء اقتصاد الاتحاد الأوروبي بردود فعل متنوعة، تتراوح بين الصارمة والتعاونية. فقد أكد وزير التجارة في إيرلندا، سيمون هاريس، رغبة أوروبا في الحوار، قائلًا: “هذه علاقة تجارية مهمة، وأوروبا كانت واضحة جدًا: نحن مستعدون للتوصل إلى اتفاق”. وربما تكون الرسوم الجمركية الأوروبية المضادة، التي قد تؤدي بدورها إلى مزيد من التصعيد، ضارة بالنسبة لمصدري الأدوية الكبار.

إجراءات مضادة محتملة

إذن كيف يمكن أن تبدو تلك  الإجراءات المضادة التي قد تتخذها أوروبا؟ هناك حزمة محتملة على الطاولة بالفعل، ومن المقرر أن يتم التصويت عليها هذا الأربعاء من قبل دول الاتحاد الأوروبي. هذه الحزمة تمثل الرد الرسمي للاتحاد الأوروبي على الجولة الأولى من الرسوم الجمركية الأمريكية على الألومنيوم والصلب في مارس / آذار الماضي، وتشمل ضرائب على منتجات رفيعة المستوى مثل سراويل الجينز ماركة ليفيز وويسكي بوربون.
ووفقًا لتقرير حديث لوكالة رويترز، قد تؤثر التعريفات الجمركية المقترحة على  واردات أمريكية  تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار (25.7 مليار يورو) — بدءًا من العلكة وورق التواليت وصولًا إلى الألماس وخيوط تنظيف الأسنان.
وإذا تمت الموافقة عليها، ستدخل المجموعة الأولى من الإجراءات المضادة حيز التنفيذ في 15 أبريل/ نيسان الجاري، بينما ستُنفذ الجولة الثانية من الإجراءات في 15 مايو/ أيار، وفقًا لمتطلبات منظمة التجارة العالمية التي تنص على وجود فجوة مدتها 30 يومًا بين الإجراءات.
وتوضح الاقتصاديّة ألسيدي أن هذه الحزمة الأولية مصممة للحد من التأثير على المستهلكين الأوروبيين، مع محاولة تجنب الارتفاعات الحادة في الأسعار، بينما تُرسل في الوقت نفسه رسالة واضحة بأن الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بحزم.

السلوفاكي ماروش شيفوفيتش مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر صحفي في لوكسمبورغ (7/4/2025)
السلوفاكي ماروش شيفوفيتش مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي يؤكد أن التركيز الأساسي للمجلس كان على وضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات المضادة للتعامل مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألومنيوم.صورة من: Jean-Christophe Verhaegen/AFP/Getty Images

تعريفات جمركية على الخدمات

قد تؤدي التدابير الإضافية إلى تفاقم الأمور. ويدعو البعض إلى استخدام أداة مكافحة الإكراه (ACI)، وهي أداة جديدة وقوية للغاية ضمن ترسانة الاتحاد الأوروبي. دخلت هذه الأداة أو ما يعرف أيضا بـ “قانون الاستثمار الأجنبي المباشر” حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ولكن لم يتم استخدامها حتى الآن. وتسمح هذه الأداة للاتحاد الأوروبي بالذهاب إلى ما هو أبعد من التعريفات الجمركية التقليدية على السلع وتوسيع نطاقها لتشمل الخدمات، من بين مجالات أخرى.
تتمتع الخدمات الرقمية الأمريكية، مثل مايكروسوفت ونتفليكس، بقواعد مستهلكين كبيرة في أوروبا، مما يعني أن القيود التجارية قد تؤثر بشكل كبير على الشركات الأمريكية. في الواقع، عند النظر إلى الخدمات وحدها، فقد حققت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً بقيمة 109 مليار يورو (118.9 مليار دولار) مع الاتحاد الأوروبي في عام 2023 ــ وهي نقطة غالباً ما تتجاهلها الإدارة الأمريكية عند مناقشة اختلالات التجارة “غير العادلة”، حسب ما يردد ترامب.

أسابيع مهمة قادمة

ستكشف الأسابيع القادمة عن مسار الاتحاد الأوروبي المستقبلي. ويسلط الباحث نيكلاس بواتييه الضوء على أن الرد الأوروبي يجب أن يستهدف نقاط الضعف الأمريكية — أي ضرب الولايات المتحدة في المكان الذي يؤلمها — دون التسبب في أضرار مفرطة لأوروبا نفسها. ويقول: “إن أفضل نهج هو من خلال الشراكات، والتنسيق مع دول أخرى.”
ويتفق الباحثان على أنه في حالة  الحرب التجارية، لا يوجد فائزون على المدى البعيد. وتخلص ألسيدي إلى أن “هذه حالة خسارة للجميع”، وتشير إلى أن تركيز أوروبا يجب أن يتحول نحو بناء قدراتها الخاصة، لضمان أمن اقتصادي أكبر واستقلالية استراتيجية في المستقبل.

أعده للعربية: صلاح شرارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى