(رموز التسامي) تهدف لإضفاء الصبغة الحضارية أو الروحية على طقوس العنف والدمار

علاء المفرجي
كتب القاص الكبير محمد خضير عن الكاتب والمترجم أمير دوشي: ” ليس مكتب أمير دوشي كغيره من المكاتب (كما ظهر بعين أمير ناصر) فهو مأوى يظهر في عيون المترصّدين (عيون أخرى بعيدة) قبواً كقبو دستويفسكي في روايته عن شخصيةٍ تراسِل سطوحَ بطرسبرغ بتوجّس كبير؛ ولعلّ نتيجة هذا التوجّس، الذي نتحسّسه في شخصية مترجم ومنقِّب وثائق، مثل دوشي، يتجسّد في عدة أعمال إعلامية عن فترة الاحتلال (بوش في أور – الطريق الوعر إلى أور- ميكافيلي مؤمناً- أبو غريب والإرهاب والميديا- بابل أحلام المارينز- اغتصاب رقيم الطين) صدرَت كلّها تحت نظر عيون مدقّقة كعيني صديقه المتفرٍّس في الآثار عبد الأمير الحمداني (وبين الأسماء الأميريّة الثلاثة- الوارد ذكرها في هذا المنشور- صلة أريد توكيدها عن عمد وسابق تصميم).”
وأمير دوشي في الناصرية، مترجم ومنقِّب وثائق، وهو أحد أهم المدافعين عن التراث الثقافي العراقي، وأصدر في هذا المجال العديد من الدراسات والبحوث، التقت به المدى ليحدثنا عن كتابه (هل يستطيع الملحق أن يتكلم) الذي حظي بأهتمام من القراء.
حدثنا عن المصادر والمراجع (حيوات، أماكن، أحداث) في النشأة الأولى و الطفولة التي أسهمت في إنضاج انشغالك الإبداعي
– حياة المرء تاريخ سعيه للرزق. وافكاره محصلة قراءة ومفهمة ذلك التاريخ. ولدت في بغداد 1960 ونشأة في عائلة عمالية: كان ابي الكادح يملك في بيتنا مكتبة متنوعة: سياسة وادب وفلسة. شكلت تلك المكتبة المقترب الاول لي لسبر الحياة. اكملت الدراسة الاولية في مدينة الناصرية والجامعية في بغداد, كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية. في 1986 حصلت غلى مطبوعين مهمين اعادا صياغة فهمي للحياة والوجود: مجلة فصول المصرية, عدد خاص عن الادب والأيدولوجية والثاني مجلة الكرمل الفلسطينية عدد خاص عن مشيل فوكو: اعادة قراءة الحقيقة الفكرية الساطعة ان كل شيء أيديولوجي وان للحقيقة نظامها, اذ ان العلاقة متشابكة بين السلطة والمغرفة وحيثما وجد التسلط والقهر وجد الرفض والمقاومة. في 1991 وبعد نهاية حرب الخليج الاولى والقمع الوحشي للانتفاضة اذار اعدت قراءة كتاب لينين ” الدولة والثورة” لاكتشف ان المطلوب في النشاط الفكري والسياسي ليس امتلال السلطة بل تهديم الجهاز السلطوي الغاشم وبناء سلطة عادلة. لكن الذي حصل بعد 2003 هو بناء سلطة المحاصصة الاثنية والطائفية. امضيت ثلاثة عقود مدرسا في الارياف, و رئيس لقسم اللغة الانكليزية في معهد المعلمين وبعد ذلك في معهد الفنون.
هل تستطيع وبإيجاز ات تقف سريعا مع أهم المؤلفات التي كتبتها في هذا المجال
– كتبت وترجمت أكثر من عشرة كتب نشرت كلها بعد 2003. الاول كان قراءة في الخطاب الساسي الامريكي بعنوان “بوش في اور”. ثم كتاب عن انكفاء المدني وتغول الديني في النخبة السياسية العراقية بعنوان ” ميكيافيلي مؤمنا” وكتاب غن إثر الصورة وفضيحة سجن ابو غريب، بعنوان ” ابو غريب والارهاب والميديا” وكتاب قراءة في الغزو الامريكي للعراق ” بابل واحلام المارينز “. وكتاب ” انت كتابك” تمارين وارشادات في الكتابة الابداعية وكتاب ” باب محترق” قراءات ثقافية في تأريخ الحاضر. بعد 2003 شكل اهتمامي بالأثر والتراث الثقافي مفصل مهما من همي ونشاطي الثقافي والمعرفي ايمنا مني ان من يسيطر على التاريخ والتراث يسيطر على ذاكرة الامة. فقد عملت في حقل الدفاع عن التراث الثقافي بعد كارثة نهب المتحف العراقي وعموم المواقع الاثارية بعد الغزو الامريكي 2003. نشرت ترجمات وكتبت دراسات عن ذلك. بل ذهبت الى ايطاليا لدراسة الجرائم ضد التراث الثقافي ولأكتب رسالة اكاديمية عن نهب المتحف العراق. أثمر ذلك عن ستة كتب والخامس قيد الكتابة. الاول ” الطريق الوعر الى اور.” قراءة لغوية في صورة دمار التراث الثقافي وجرائم الخطف، فقد تم اختطافي مع فريق صحفي كان يعمل على توثيق نهب الاثار,. الثاني ” اغتصاب رقيم طين” عن كيفية توظيف الاعلام في حماية التراث الثقافي. الثالث ” احتضان اللهب” قراءة في سيرة اثاري، والرابع ” ختم فرويد الاسطواني” عن علاقة التحليل النفسي بالأثار فكلاهما ينقب في الماضي, والخامس ” هل يستطيع الملحق ان يتكلم” عن علاقة الصحفيين والآثاريين الملحقين وكارثة نهب المتحف العراقي 2003. والسادس قيد الكتابة “فوكو في اور” من اركو لوجيا الموقع الآثاري الى اركو لوجيا الخطاب. رافقت العديد من الفرق الاثارية في جنوب العراق وترجمت الكثير من تقارير نتائج تنقيباتها وكتاب عن طرق التنقيب الحديثة صدر حديثا عن المتحف البريطاني في لندن.
لنبدأ حوارنا معك من عنوان كتابك (هل يستطيع الملحق أن يتكلم) ما الملحق الصحفي والآثاري وما اهمية كتابة كتاب عن الملحق؟
من المؤكد أن عدم وضوح الحدود بين الحقيقة والكذب لم يبدأ مع الغزو الامريكي للعراق عام 2003. كانت المعلومات المضللة جزءًا من الحرب منذ أيام الإسكندر الأكبر على الأقل، الذي زرع دروعًا كبيرة في أعقاب انسحاب قواته لإقناع العدو بأن جنوده كانوا عمالقة.
لقد تم دمج ما يقرب من 500 صحفي ومصور وطاقم إخباري داخل الوحدات العسكرية الأمريكية والبريطانية؛ وكان هناك 2000 صحفي آخر في الكويت. تمثل ممارسة الحاق الصحفيين مع القوات العسكرية الغازية استراتيجية رئيسية لإدارة التعاطف والتماهي من قبل الجماهير المحلية مع قواتهم دون التعرض للعنف المفرط والخسائر في الأرواح. يمكن تعريف الحاق الصحفيين المعتمدين في العمل العسكري المباشر على أنه إدراج مُدار للغاية، حيث يتم إيواؤهم داخل وحدات عسكرية محددة تحت السيطرة المباشرة للسلطة العسكرية. وبناء على ذلك، فإن نظام الصحافة الملحقة هو محاولة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات المختلفة للدوائر الأساسية الثلاث ((الصحافة، والجيش، والجمهور)).
من هو “الصحفي الملحق” إذن؟
– الصحفي الملحق هو الشخص الذي يبقى مع وحدة من القوات المسلحة أثناء الحرب لتقديم تقارير مباشرة عن الأنشطة القتالية. تتضمن إرشادات البنتاغون بشأن الإلحاق (وزارة الدفاع الأمريكية: 2003) ما يلي:
لن يتم نشر أي معلومات حول الاشتباكات الجارية ما لم يأذن بذلك القائد الموجود في مكان الحدث، ولن يتم نشر المعلومات حول الاشتباكات السابقة إلا إذا تمت مناقشتها بعبارات عامة.
يُحظر نشر التقارير التي تحتوي على معلومات حول تحركات القوات “القوات الصديقة” وانتشارها، ويمنع منعا باتا تقديم معلومات عن العمليات المستقبلية. وسيتم تعيين الصحفيين إلى وحدة معينة. ملا توجد وسائل نقل خاصة. ممنوع استخدام الأسلحة النارية الشخصية. يجب أن تكون جميع المقابلات مع الأفراد العسكريين “مسجَّلة”
الصحفي المخضرم أوري أفنيري هو من صاغ كلمة “صحاهرة”، موضحًا أنه “في العصور الوسطى، كانت الجيوش مصحوبة بأعداد كبيرة من البغايا. وفي حرب العراق، رافق الجيشان الأميركي والبريطاني أعداد كبيرة من الصحافيين. لقد صاغ المعادل العبري لكلمة دعارة “صحارة”، للإشارة إلى الصحفيين الذين يحولون وسائل الإعلام إلى عاهرات. الأطباء ملزمون بقسم أبقراط بإنقاذ الحياة قدر الإمكان. الصحفيون ملزمون بالشرف المهني في قول الحقيقة كما يرونها.
Press صحافة + prostitute عاهرة = presstitue صحاهرة، ومزج كلمة صحافة مع عاهرة انتج كلمة جديدة (صحاهرة). وقد كان للشرعية الأكاديمية والثقافية لغزو عام 2003 التي قدمها نظام الصحفي والآثاري الملحق بقوات الجيش الامريكي والانكليزي آثار غير مباشرة على التغطية الإعلامية وعلى التقارير الصحفية عن نهب المتحف العراقي في عام 2003. لقد تنازل عالم الآثار والصحفي الملحق بالكامل عن مفهوم الموضوعية، واستبدله بـ مفاهيم “القيم” والمصلحة الذاتية. إن عالم الآثار الملحق يشبه الصحفي الملحق، الذي ينتج أخبارًا متحيزة، والأسوأ من ذلك، أنه يصبح جزءًا من آلة الحرب.
ان نظام الصحفي والاثار الملحق لا يغيب استقلالية ومهنية الصحفي والآثاري حسب، بل كذلك قدرته على القراءة والتأويل و النقد ومن ثم قدرته على قول الحقيقة.
في اهداء الكاتب ذكرت ستة اسماء اهديتهم كتابكم!!!
– جواب كان الغرض من الاهداء تأكيد انسانية التراث الثقافي المنهوب. لقد هب هؤلاء الستة كل من موقعه للدفاع عن التراث الثقافي العراقي, بغض النظر عن هوياتهم الاثنية والدينة (عراقيان مسيحي من بغداد واخر من اهوار العراق و وفرنسي وايطالي وامريكي). اولهم كان المرحوم دوني جورج, كان حينها مدير الدراسات في الهيئة العامة للأثار والتراث, كان اخر من خرج من المتحف قبل كارثة النهب التي استمرت ثلاثة ايام, 9-12 نيسان 2003و وبعدها اصبح السفير الناطق بمأساة المتحف. ففي في 15 نيسان (أبريل) 2003،بعد ايام على بد كارثة نهب المتحف الوطني العراقي, اتصل الدكتور دوني جورج، من خلال محطة تلفزيون القناة الرابعة في المملكة المتحدة، بالدكتور جون كيرتس، أمين قسم الشرق الأدنى في المتحف البريطاني، ليخبره عن كارثة المتحف العراقي. ذهب كيرتس مباشرة إلى نيل ماكجريجور، مدير المتحف البريطاني. ثم اتصل ماكجريجور هاتفيا بوزير الثقافة البريطاني وبعد ذلك طلب الوزير من رئيس الوزراء توني بلير اتخاذ إجراء فوري بشأن هذه القضية. ومن جانبه أجرى بلير اتصالات مع البنتاغون الأميركي ووزارة الخارجية الأميركية حيث صدرت الأوامر الفورية بنشر قوة لحماية المتحف العراقي. ثم أجرى دوني جورج مقابلات أفاد فيها بامتنان أنه تم إنقاذ المتحف من النيران والنهب بالكامل. وكان الدكتور دوني قد كتب بعد ذلك
“قبل عام تقريبًا من غزو العراق عام 2003، تلقيت معلومات من مصدر موثوق للغاية تفيد بوجود أشخاص في إنجلترا، بما في ذلك البعض المشار إليهم باسم “العلماء”، الذين كانوا يشيرون إلى أن الشعب العراقي لم يفهم قيمة البقايا الإثارية في العراق. وأنهم لا يستحقونها، وأن النتيجة الواضحة لذلك هي إزالة المواد – سرقتها – من العراق ونقلها إلى إنجلترا. وصلني أن أحد الأشخاص علق قائلاً: “أنا أنتظر اليوم الذي تدخل فيه القوات الأمريكية بغداد، سأكون معهم وسأذهب إلى المتحف العراقي وآخذ ما أريد”. وهذا، فعلا، ما حدث في نيسان/2003.
الثاني هو المرحوم الدكتور عبد الامير الحمداني, حينها كان موظف في مفتشية اثار ذي قار, لقد تحول من اثاري الى شرطي يلاحق لصوص الاثار واستطاع استرجاع اكثر من 35 الف قطعة اثارية من عموم العراق الى دائرة المتحف العراقي بوصولات مسجلة, وانتهى به الامر ليسجن في مركز الشرطة بتهم باطلة لرفضه منح ترخيص لا حدى الجهات النفاذة لتقيم معمل للطابق على موقع اثاري, الثالث والرابع هما صحفيان: الفرنسية ماري هيلن والامريكي ميكا كارن: عملا على تصوير 200 ساعة فدوية لجرائم نهب الاثار العراق عبر اكثر من عام من العمل, لينتجا فلم وثائقي وكتاب, انهى الامر بالصحفي ميكا كارن بالاختطاف مع المتحدث. والرابع والخامس من الذين اهدي اليهم الكتاب هم الايطاليان الدكتور فرانكو اغستينو والدكتورة ليجا رامانو اللذان غامرا بالعمل التنقيبي لمدة اكثر عقد جنوب العراق رغم اختلال الوضع الامني, لينتجا كتاب عن نتائج اعمالهم التنقيبية وكتاب اخر بعنوان السومريون، تم ترجمته الى العربية. وقد كرمهم اتحاد ادباء العراق بمنحهم العضوية.
عنوان كتابكم تناص مع كتاب للمفكرة الهندية غاتري سبيفاك “هل يستطيع التابع ان يتكلم “!!؟
– جاء عنوان الكتاب متداخلا مع عنوان كتاب “هل يستطيع التابع ان يتكلم!” لغاتري سبيفاك التي ترى أن التفكير الأكاديمي الغربي يتم إنتاجه من أجل دعم المصالح الاقتصادية الغربية وأن المعرفة ليست بريئة أبدًا: أنها تعبر عن مصالح منتجيها. فالمعرفة بالنسبة لسبيفاك هي مثل أي سلعة أخرى يتم تصديرها من الغرب إلى العالم الثالث لتحقيق مكاسب مالية وغيرها. تتساءل الكاتبة “هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ “يبدو السؤال كأنه نوع من الاستفهام الاستنكاري، فمن الطبيعي أن يتكلم التابع، فهو كائن بشري يستطيع الكلام، والكتابة، والتعبير، لكن الفكرة التي تريد سبيفاك ان تطرحها هي هل توفرت السياقات الثقافية الملائمة للتابع لكي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث، وإسماع الآخرين صوته وتمثيل ذاته؟ فالشعوب المستعمرة سلب منها حق تمثيل نفسها، أي سلبت حق الكلام، والكلام هو الوسيلة الوحيدة لتأسيس معرفة متماسكة عن التابع، ووعيه، ووجوده. بعبارة أخرى فثمة فرق بين الفكرة القائلة إن التابع فرد مندمج في جماعة، والأخرى القائلة إنه كائن جرى تمثيله عبر الخطاب الاستعماري. وترى سبيفاك بأن وعي التابع يتمثل لتأثيرات النخبة، فتلك التأثيرات هي التي تشكله بسبب قوتها وهيمنتها، فيتعذر استعادة صوت التابع بصورته الحقيقية، بل لا حقيقة له، لأنه موجود فقط عبر تمثيل قوة النخبة، وثقافة الاستعمار:” باختصار فهو مشوه، ومنبثق ضمن استراتيجيات خطاب أقوى يستحيل اختزاله.”. وحيث ان المهمة الاولى للصحفي وعالم الاثار هي قول الحقيقة، جاء الكتاب ليتساءل “هل يستطيع عالم الآثار والصحفي الملحق أن يتكلم: يقول الحقيقة!!!” يمكن اعتبار القطع الإثارية نفسها أصواتًا تابعة. فهي تحمل قصصًا عن مجتمعات وثقافات وأفراد في الماضي. ومع ذلك، عندما يتم التنقيب عن هذه القطع الأثرية في منطقة حرب، غالبًا ما تغرق أصواتها في ضجيج الصراع.
قي حزيران 2007 استبدلت وزارة الدفاع الامريكية صور المطلوبين الخمسة والخمسين من اركان النظام العراقي السابق بصور لمعالم اثارية عراقية سومر وبابل وأشور.!!!
ان السياسة هي حرب بوسائل اخرى، تلك هي الحقيقة التي كشفها الفكر السياسي الحديث. والحرب النفسية والدعاية والاعلان وسائل الحرب النفسية الحديثة لتحقيق الهدف السياسي. واوراق اللعب الحاملة لصور الخمسة والخمسين مطلوبا من اركان النظام العراقي السابق هي شكل من اشكال الدعاية والاعلان. استخدمتها الإدارة الامريكية في مستهل الغزو لتوحي للعراقيين بانها محررة لهم وعازمة على انقاذهم من النظام الدكتاتوري: كانت صور المطلوبين بيان لعزمها. فالدعاية والاعلان صيغة تواصلية غير شخصية يستخدمها مصدر معروف وعبر وسائل متنوعة لغرض الاقناع وتمتد اهدافها من تغير السلوك الى التأثير في الطريقة التي يفكر فيها المرء اتجاه موقف اجتماعي او اقتصادي او ثقافي. والصورة احدى وسائل الدعاية الاعلان.
وتكتسب الصورة اهميتها من خلال المعنى المميز الذي تحمله, والذي يرتبط بالنية او الهدف من استخدامها. هذا على مستوى الوعي. اما على مستوى اللاوعي فان وظيفة الصورة تمضي الى ما وراء المعنى الحسي المباشر؛ لأنها تتضمن سيئا غامضا مجهولا او خفيا, وهذا سر قوتها
هنالك ما يدعى بلغة علم النفس (رموز التسامي). والتي تهدف لإضفاء الصبغة الحضارية او الروحية على طقوس العنف والدمار. لتنفيذ عملية الخراب. وهذه المخادعة لابد منها. في هذه الحالة يكون الارث الانساني رمزا التسامي الاكثر ملائمة للتكفير عن الذنب.
بطاقات اوراق اللعب تشير الى المغامرة، بل المقامرة. وتلك احدى تمثلات العقل السياسي للمحافظين الجدد الداعي الى الحرب الاستباقية. فلقد قامر المحافظون الجدد بالخمسة والخمسين مطلوبا ولكن هل حقا انهم اعداء لأمريكا! ام انهم وكلاء محليون انتهت مهمتهم! وهل كانوا خمسا وخمسون ام واحدا وقد مد ظله على اشباهه! على النقيض من الخمسة والخمسين مطلوبا, الذين انفقوا رأسمالهم المعنوي والرمزي في اضطهاد العراقيين, فان البطاقات الجديدة صورا المواقع الاثارية تحمل رأسمالا رمزيا ابديا.
ما دور المتحف هنا
– ان فكرة مؤسسات المتاحف توجد في المقام الأول من أجل الجمع والحفظ والحفاظ على بقايا وآثار الماضي، وهو أمر شائع يفترض أنها مكرسة قبل كل شيء لتوثيق حقائق التاريخ. ومع ذلك، تعرض جميع المتاحف آثارها المجمعة والمحفوظة بطريقة تعزز واقعية هذه الأشياء والوثائق والآثار الباقية. في الواقع، من الواضح أن ما يشكل “الواقعية” هو مسألة أسلوب معين لعرض الأشياء في وقت ومكان معين قد يكون مقروءًا على أنه واقعي. يمكن فهم الحقائق على. هذا النحو في ظل ظروف محددة شروط العرض والاستقبال
تستخدم المتاحف إذن المؤثرات المسرحية لتعزيز الإيمان بتاريخ الأشياء التي تجمعها. ومن ثم، فهم يستجيبون لنسخة أو أخرى من اعتقاد القرن التاسع عشر القائل بأنه, كما يذهب الى ذلك هايدن وايت: “اذا تجنب المرء الإيديولوجية وظل مخلصًا للحقائق، فإن التاريخ سينتج معرفة مؤكدة وموضوعية مثل أي شيء تقدمه العلوم الفيزيائية؛ مثل تمرين الرياضيات “
شكّل المتحف الوطني العراقي في بغداد، منذ تأسيسه في عام 1923, مركزاً حضارياً ومرجعاً رئيسياً للحضارة الإنسانية. وعبر العصور، احتضن هذا المتحف قطعاً إثارية نادرة لا تقدر بثمن، تمثل شواهد حية على التاريخ العريق للعراق، مهد الحضارات الأولى. لم يكن المتحف مجرد مكان لعرض القطع الإثارية، بل كان رمزاً للتواصل بين الماضي والحاضر، وعنواناً للحفاظ على التراث الثقافي والهوية الوطنية.
كيف تعاملت الصحافة المستقلة مع كارثة نهب المتحف العراقي 2003؟
– كانت وسائل الإعلام المستقلة صارمة وقاسية في التعامل مع قصة نهب المتحف الوطني العراقي. وبعد ذلك اتبعت كل الصحف الكبرى في العالم تقريبًا نفس الخط. على سبيل المثال، عرضت صحيفة الإندبندنت، وهي صحيفة وطنية بريطانية، صورة لحارس متحف يبدو بائسًا, وهو يحدق في خزانة عرض فارغة، مع شرح توضيحي يقول “حارس مسلح يتفقد رفوف المتحف الفارغة”.
في حين أن استخفاف وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الشهير بما حدث في المتحف يشكل فضيحة إعلامية. وفي رده في مؤتمر صحفي عُقد في 11/نيسان على بث مشاهد اللصوص في المتحف، قال رامسفيلد بغضب: “إن الصور التي تشاهدها على شاشة التلفزيون تراها مرارًا وتكرارًا، وهي نفس الصورة لشخص ما”. عندما تخرج من أحد المباني ومعك مزهرية، تراها 20 مرة، وتفكر، “يا إلهي، هل كان هناك هذا العدد الكبير من المزهريات؟” هل من الممكن أن يكون هناك هذا العدد الكبير من المزهريات في جميع أنحاء البلاد؟
وتابع رامسفيلد: لقد تم إثارة ضجة كبيرة بشأن ما كان في نهاية المطاف جزءًا طبيعيًا من الحياة. فحتى المدن الأمريكية شهدت أعمال شغب. “تحدث أشياء!” قال وزير الدفاع الغاضب: “ولكن فيما يتعلق بما يحدث في ذلك البلد، فمن سوء الفهم الأساسي رؤية تلك الصور مرارًا وتكرارًا لصبي يخرج حاملاً مزهرية ويقول “يا إلهي، لم يكن لديك خطة.” هذا هراء. إنهم(الجيش الامريكي) يعرفون ما يفعلونه، ويقومون بعمل رائع.
وبحلول 13 أبريل/نيسان، في برنامج “لقاء مع الصحافة”، لم يعد رامسفيلد يمزح، لكنه استمر في التنصل من المسؤولية في منع نهب المتحف، وألقى باللوم فيه على الفوضى التي تنجم “في الانتقال من مرحلة الدكتاتورية إلى نظام جديد”. لم نسمح بذلك. لقد حدثت…. هناك فترة انتقالية، ولا أحد يتحكم فيها. ولا يزال القتال يدور في بغداد. نحن لا نسمح بحدوث أشياء سيئة.
ماذا عن الآثاريين الملحقين؟
– غني عن القول إن العلاقة بين علم الآثار والاستعمار ليست ظاهرة جديدة، فهي تعود إلى حملات الاستعمار المبكرة عندما اتبع علماء الآثار اعلام الدول الاستعمارية وساروا جنبا إلى جنب مع الغزاة والمستعمرين، وقاموا بالتنقيب. يقول إدوارد سعيد في مقدمة طبعة عام 2003 من كتابه الشهير “الاستشراق” إن “الاستشراق يثير مرة أخرى مسألة ما إذا كانت الإمبريالية الحديثة قد انتهت أم أنها استمرت في الشرق منذ دخول نابليون مصر قبل قرنين من الزمن”. وكما يقال فان “التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفى المرة الثانية كمهزلة “، ولكن بنتائج مأساوية!، تعد حالة عالم الآثار الإيطالي، جيوفاني بيتيناتو، مثالًا على علم الآثار العسكري، حيث يصبح عالم الآثار المحترف ملحقا بالكامل في مؤسسة عسكرية (كموظفين أو مستشارين للجيش)، حيث لا يفقد الاستقلالية والمهنية حسب، وبالتالي قدرته للنقد وقول الحقيقة، ولكنه يوفر أيضًا الشرعية العلمية والأكاديمية للغزو ومهمته السياسية. الدكتور عباس الحسيني المدير السابق لهيئة العامة للآثار والتراث العراقية ينتقد قضية بيتيناتو:
“”من المؤسف أنه يجب على أن أبلغ أيضًا أن هناك علماء آثار أجانب جاءوا إلى العراق المحتل. وشرعوا في إجراء حفريات مشبوهة للغاية دون الحصول على إذن من الدولة العراقية. ومما يثير القلق بشكل خاص حالة الإيطالي جيوفاني بيتيناتو الذي أعلن عن اكتشاف حوالي 500 لوح مسماري في أريدو. وبعد ذلك ادعى العثور على عشرة أضعاف هذا الرقم. ثم، في تطور غريب، أوضح أنه كان يقصد الاختام على القار وليس الألواح الفعلية. كل هذا محل شك كبير لأنه من المستحيل تصديق أن عالم آثار محترف يمكن أن يخطئ بين الاختام والألواح الطينية. تظل هذه الحالة الغريبة لغزًا لأنه حتى الآن ليس من الواضح ما إذا تم اكتشاف أي الالواح طينية بالفعل. ولم يكن هناك أي تفسير مرضٍ لكيفية وصول عالم آثار مدني إلى المواقع من خلال الوجود العسكري لبلاده في العراق المحتل. وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأنشطة قد تبدو بمثابة انتهاك لاتفاقية لاهاي لحماية التراث الثقافي في الحرب.” وثق الدكتور جون راسل، من كلية ماساتشوستس للفنون والمستشار الاقدم للثقافة في سلطة التحالف المؤقتة ردود سلطة التحالف على عمليات النهب التي جرت بعد نسان 2003 فكتب:
“في 15 كانون الثاني (يناير) 2004، أتاحت لنا زيارة شخصية مهمة الفرصة التي كنا نسعى إليها للقيام برحلة استطلاع بطائرة هليكوبتر فوق مواقع في جنوب العراق. قمنا بالتحليق فوق خمسة مواقع، ثلاثة منها كانت مليئة بالحفر التي أحدثها النهابون. بعد عودتي من الرحلة، كتبت مذكرة إلى بول بريمر، رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، خلصت فيها إلى أن سلطة الائتلاف المؤقتة، بصفتها الحارس المؤقت على ماضينا الإنساني في العراق، هي القوة الوحيدة التي يمكنها التحرك بشكل فوري وحاسم لوقف الخسارة. ولم يتخذ بريمر أي إجراء”
