صحيفة الشرق الأوسط – سعاد بشناق لـ«الشرق الأوسط»: متعة العمل في مسلسل رمضاني تحضّني على إعادة التجربة

تطبعك موسيقى مسلسل «البطل» الرمضاني من شارته، مروراً بمقطوعات ترافق أحداثه، وصولاً إلى جنريك النهاية. المؤلفة الموسيقية سعاد بشناق نقلت مشاعر وذكريات خاصة بها، انعكست على العمل صوتاً لا يبارح أذن المشاهد، فكانت تلك المقطوعات نجوماً من نوع آخر.
وكان مسلسل «البطل» قد حقق نجاحاً في موسم رمضان 2025، ومع أبطاله بسام كوسا ومحمود نصر ونور علي وخالد شباط وغيرهم، سجّل الاختلاف. لا سيما أن موضوعه المكتوب بقلم رامي كوسا وكاميرا المخرج الليث حجّو وضعه في مكانة بارزة، فنقل مشاهده من واقع المجتمع السوري أثناء الحرب، إلى مواضيع عدة بينها الفساد والتضحية والحب وغيرها.
تحمل بشناق الجنسيتين الكندية والأردنية. سبق ووضعت موسيقى لأكثر من 40 عملاً مصوراً لأفلام سينمائية طويلة وقصيرة. شاركت في مهرجانات عدة مثل فينيسيا السينمائي الدولي ولوكارنو. كما وضعت موسيقى «المنعطف» لرفيق عساف. تحضّر اليوم لوضع موسيقى لفيلم سعودي، وآخر أميركي – بوسني من نوع «الوثائقي المتحرك» عن حرب البوسنة. وتفضّل في المقابل العمل على أعمال عربية، لأنها نابعة من قصص عايشتها. مقيمة في كندا وتنسب لها الفضل في إعطائها فرصاً كبيرة، وبينها ترشيحها 4 مرات لجائزة الـ«بافتا» و«أوسكار كندا».
تقول سعاد بشناق في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن تجربتها مع مسلسل «البطل» كانت ممتعة. صحيح أنها تطلّبت الجهد والتعب، ولكنها زوّدتها بحماس كبير لم يسبق أن عاشت مثله. وتتابع: «كنت أعمل يومياً نحو 12 ساعة في إعداد الموسيقى. والجميل في هذه التجربة تلقي ردود الفعل مباشرة بعيد عرض كل حلقة. وفي الحلقات السبع الأخيرة بكيت تأثراً. فأدركت أن رحلتي مع (البطل) تشارف على النهاية، وكان هذا الأمر صعباً عليّ».
في الموسيقى التصويرية لمسلسل ما، يجب على مؤلّفها أن يسير بين النقاط. فلا يبالغ باستعمالها من ناحية، ولا يبقيها شبه صامتة من ناحية ثانية، توضح بشناق: «الموسيقى تعطي هوية للعمل. وكأي نجم من نجوم العمل يجب أن تؤدي دورها من دون زيادة أو نقصان. وبالتالي لا تطغي على أذن المشاهد وتبدو صارخة. والمطلوب أن تحمل المشهد على أكتافها. وكانت هناك اتصالات يومية بيني وبين منتج العمل محمود جيان، فنتشاور حول تحديد مواقع الموسيقى في كل حلقة».
في اتصالاتها مع المخرج الليث حجو تكلّما حول الخطوط العريضة لموسيقى «البطل». «كنا على اتفاق تام بأنها لا يجب أن تكون شرقية بحتة. لا بل ذهبنا بها إلى تلك التركية والأرمنية. وكذلك إلى البوسنية حيث تتحدر أصولي التاريخية. ولذلك حضرت آلات موسيقية مثل الـ(أكورديون) و(كلارينيت) و(سارز)، إضافة لـ(تشيللو) و(القانون)».
تعدّ بشناق موسيقى الأكورديون الأجمل بين باقي الآلات، تتميز بتنوع استخدامها وتليق بها أي موسيقى لآلة أخرى. في واحد من المشاهد التي تحبها في «البطل»، يجمع بين مشاعر الحزن والفرح لجأت إلى الـ«أكورديون». فهذه الآلة تعبّر عن الفرح كما عن الحنين والنوستالجيا.
وعما إذا تصورت لكل نجم في العمل موسيقى خاصة به، تردّ: «اكتشفت من خلال خبرتي المهنية أن هذا الأمر بإمكانه أن يقيّدني. وكذلك يمكنه أن يوقعني في فخ التكرار. ولكن في الوقت نفسه ألّفت موسيقى لمواقف معينة. كما في مشاهد الميكروباص، ومشاهد الحب بين مريم (نور علي) ومروان (خالد شباط). كذلك استحدثتها في مشاهد تدعو إلى السعادة. أما الكلارينيت فالتزمتها لمرافقة شخصية الأستاذ يوسف».
وتتابع في سياق حديثها: «الجميل في عمل المسلسلات هو الثيمة. ويجب الإشارة إليها في الوقت المناسب. قد نلجأ إلى التغيير فيها حسب كثافة مشاعر اللحظة. ولكنني استمتعت بتفاصيل ثيمة (البطل) وسكنتني طيلة إعدادي لموسيقاه». وتضيف: «حتى إن الثيمة الرئيسية لجنيريك البداية اتبعت فيها التنويع في سياق عرض الحلقات. ويمكن القول إن موسيقى (البطل) نسجتها بالخيط نفسه ولكن بتطريزات مختلفة».
تبتعد سعاد بشناق عن الحشو الموسيقي في مؤلفاتها. «لأنه يضعف العمل بدل الرفع من شأنه. فحضورها بالمكان والوقت الصحيحين يجب أن يدرس بدقة. وفي مشاهد صامتة يصبح تأثيرها أبلغ وأعمق. فهي ليست مجرّد خلفية بل تساند المشاعر والأداء».
أكثر الشخصيات التي تأثرت بها في المسلسل أستاذ يوسف. وقدّمه الممثل بسام كوسا باحترافية كبيرة. وتعلق بشناق: «لقد ذكّرني كثيراً بوالدي الذي يقبع مريضاً اليوم. وهو يعيش أيضاً على كرسي متحرّك. وكان شخصاً مثقفاً يتكلم ثلاث لغات، ويتمتع بعمق في التفكير ويعدّه المقربون منه مرجعاً يستشيرونه لحل مشكلاتهم. شعرت بأنه يحضر في المسلسل من خلال هذه الشخصية. في أحد المشاهد لأستاذ يوسف يجري حواراً صامتاً بينه وبين ابنته مريم (نور علي). ذكّرني كثيراً بوالدي عندما كان يبتسم لي صباحاً وهو يعطيني فنجان القهوة. تأثرت وبكيت لأن الأستاذ يوسف كان يملك نظرات والدي ساهر بشناق نفسها».
سكنها مسلسل «البطل» من أوله لآخره، تعلّقت بشخصياته وأحداثه إلى حدّ الإدمان. «تخيلي أنه في إحدى المرات تأخر توصيل الحلقة لي يوماً كاملاً، فصرت أدور في مكاني لا أعرف كيف سأمضي وقت الانتظار. فقصة المسلسل بحد ذاتها تجذب مشاهدها. فكيف إذا ما كنت جزءاً منها؟».
كانت تشاهد كل حلقة ترغب بإعداد موسيقى لها أكثر من 5 مرات. «كنت دقيقة في وضعي للجمل الموسيقية في مكانها المناسب، حتى بعد إعدادي الموسيقي كنت أعود وأتفرّج على الحلقة كي أتحقق من الخيارات».
رغم كل الجهد الذي تطلّبه عملها في «البطل» تؤكّد سعاد بشناق أنها مستعدة لإعادة التجربة من دون تردد. وتعلّق: «لموسم رمضان نكهته الدرامية الخاصة. فشعرت وكأني أعيش في بيوت المشاهدين وواحدة من أفراد عائلاتهم. وهذا العمل المتواصل له متعته، لا سيما مع مخرج بقيمة الليث حجو. فإذا ما عرضت علي التجربة مرة جديدة معه، وفي رمضان فلن أتأخّر أبداً».
تقول إن المسلسل ولّد عندها مشاعر كثيرة. «استرجعت ذكرياتي في الشام لأنني درست فيها 4 سنوات. وكذلك ذكرني بأصولي كوني من أم سورية وأب فلسطيني. أحببت جميع شخصياته، ولا سيما الأستاذ يوسف».
ولآلة القانون حصّتها في موسيقى «البطل». «استخدمت هذه الآلة إضافة إلى آلة الـ(ساز)، وهي آلة موسيقية وترية تتشارك فيها مختلف الثقافات في الشرقين الأوسط والأدنى. كانتا آليتين موسيقيتين شرقيتين بطابع سوري. فكتبت جملاً غير تقليدية تشبه إلى حدّ ما موسيقى الـ(باروك)». وتعلّق: «موسيقى الأعمال المصورة ترفع من قيمة العمل، وإذا ما أغمضنا أعيننا ونحن نستمع إليها خارج سياق العرض فلا بد أن تذكرنا بالعمل الذي تنتمي إليه».
