“عاصمة البندق” في العالم مهددة بتغير المناخ، فما القصة؟
قد يجهل عشاق القهوة أو الحلوى أن معظم إنتاج البندق في العالم يأتي من سلسلة جبال ساحلية واحدة تقع في تركيا، وتنتجه النساء على مدار مئات السنين.
تقع مدينة غيرسون القديمة على سفوح سلسلة جبال بونتيك المطلة على البحر الأسود في شمال شرقي تركيا، وهي مدينة تُعرف بمناظرها الساحلية الخلابة وجبالها الوعرة، بيد أنها تشتهر بزراعة البندق أكثر من أي شيء آخر.
تنتج تركيا ما يزيد على 72 في المئة من البندق في العالم، يأتي نحو 60 في المئة من هذا الإنتاج من منطقة شرق البحر الأسود حيث تقع مدينة غيرسون.
ويعود تقليد زراعة البندق في هذه المنطقة إلى آلاف السنين، إذ تحدث المؤرخ اليوناني هيرودوت، الملقب بـ “أبو التاريخ” في اليونان القديمة، عن وفرة البندق في المنطقة المعروفة حاليا باسم “تركيا” في القرن الخامس قبل الميلاد. ومنذ عام 1400 ميلاديا، تستورد أوروبا ودول غيرها البندق من غيرسون ومنطقة البحر الأسود الشرقية المحيطة بها إلى أوروبا وخارجها.
قبل أن تصل دفعة من البندق، على سبيل المثال، إلى عبوة شوكلاتة “نوتيلا”، يجري زراعة النبات في أماكن مثل تركيا، وفي غيرسون، حافظت النساء منذ القدم على زراعة البندق، لكن نساء اليوم تولي اهتماما لإنتاج وبيع البندق أيضا، مثل منتجات الشوكولاتة.
“النساء الأفضل دائما”
كانت المكسرات، في الماضي، تُصدَّر غالبا إلى الخارج، ثم تُباع مرة أخرى إلى تركيا في هيئة منتجات أخرى مثل قطع الشوكولاتة والدهون. وعلى الرغم من ذلك بدأت شركات مثل (هوم أوف هازلنت)، التي تديرها ثلاث شقيقات، وهي شركة لها باع طويل في إنتاج البندق المحلي، في تغيير هذا المفهوم.
تقول ساياري سونجور، إحدى مالكات الشركة، لمقدم برنامج بي بي سي (اكتشاف مائدة العالم)، نيك كويك: “في هذه المنطقة، تنتج النساء 80 في المئة من محصول البندق”.
وتضيف: “النساء الأفضل دائما في رعاية هذه المكسرات، سواء في الحقول أو في الحدائق. لذا نريد الآن أن تصبح هؤلاء النسوة مزارعات وصانعات قرار”.
حافظت الشركة، منذ بدء نشاطها قبل تسع سنوات، على تقاليد غيرسون القديمة، وأصبحت في ذات الوقت بمثابة مثال لجيل جديد من النساء المحليات، إذ تفخر سونجور بنجاح عائلتها وكيف ألهمت نساء أخريات في المنطقة لإطلاق مشاريعهن الخاصة.
وتقول لبي بي سي: “بعد أن بدأت الكثير من النساء في رؤية مدى قيمة هذا المنتج الآن، بدأت العديد من النساء في إنتاجه وامتلاكه، وأعتقد أن هذا من الأمور الرائعة”.
“تغير المناخ يهدد الزراعة”
وعلى الرغم من أن صناعة البندق في تركيا لا تزال مزدهرة، إلا أن هناك مشاكل تلوح في الأفق، كما هو الحال في العديد من المناطق في شتى أرجاء العالم، لا سيما وأن قدرة البلاد على زراعة أشجار وشجيرات البندق مهددة بالعوامل البيئية، إذ يؤثر تغير المناخ على المحصول هنا، مما يؤدي إلى المزيد من الرطوبة وانتشار الآفات، وكلاهما قد يعرقل نمو نباتات البندق ويقتلها.
وتقول سيبات أوزمان سوليفان، عالمة في مجال وقاية النبات ومزارعة للبندق في مدينة غيرسون: “(بسبب تغير المناخ) انتشرت آفات جديدة خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية”.
وتضيف: “إنها مشكلة كبيرة ويجب مكافحتها لأنها تتغذى على العديد من النباتات. كما أن الرطوبة العالية تؤدي إلى ظهور مرض العفن”، موضحة أن البندق يزدهر عادة في الظروف المناخية الأكثر جفافا.
وتخشى أوزمان سوليفان من أن تكون المساعي المحلية للحد من انتشار الآفات أكثر ضررا من نفعها، وتقول: “يستخدم الناس المبيدات الحشرية (ولكن)… هذا ليس جيدا لأن هناك العديد من الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في التربة وعلينا أن نبقيها على قيد الحياة”.
ويشعر مزارعو البندق في غيرسون بفخر شديد بسبب الوفرة التي يسهم بها نظامهم البيئي الفريد والذي يجمع بين البيئة الجبلية والبحر، كما أن العديد منهم، مثل أوزمان سوليفان، يسعون إلى حماية النظام البيئي وتقاليدهم للأجيال القادمة.
وتقول: “نريد الاستمرار في زراعة البندق في هذه المناظر الطبيعية الجميلة”.