غياب العراق عن المؤشر ليس بالمستغرب في ظل اضطراب الوضع السياسي الذي ألقى بظلاله على الثقافة
أستطلاع/ علاء المفرجي
بهذا العنوان ظهرت دراسة كتبها أحد المتخصصين بعلم الاجتماع، تقول الدراسة: التراث الثقافي يعمل كميزة رئيسة قائمة بذاتها، بمعنى تراث أي بلد هو من بقايا ثقافته الأصيلة، ونضالاته التاريخية، له دور رئيس في جذب السياح من جميع أنحاء العالم، وقِيسَ مؤشر التراث الثقافي عن طريق تأثيرها العالمي ضمن عشرة سمات لدول، وهذه السمات هي الأهمية الثقافية من حيث (الترفيه، والموضة، والحياة السعيدة، وامتلاك ثقافة مؤثرة، وامتلاك علامات تجارية استهلاكية قوية، والحداثة، والمكانة المرموقة.
يتميَّز مؤشر التأثير الثقافي عن المقاييس الأخرى المتعلقة بقياس المؤشرات التنموية على الأبعاد غير الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، ونهج قياس يعتمد على مؤشرات النتائج، على مقياس (1-100) وَفْقاً لما يلي: إعطاء كل مؤشر فردي ترجيحاً متساوياً ضمن كل فئة من الفئات التسع مع بعض المؤشرات التي تتكوَّن من (2-3) مؤشرات فرعية رُجِّحَت أيضاً بالتساوي. (رُجِّحَت كل فئة بالتساوي للوصول إلى المؤشر العام)، عن طريق تشكيل لجنة لاستعراض نقط البيانات المستقاة من مصادر عديدة، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي، ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر الحياة الأفضل، وكتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية، والبنك الدولي، والتقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فضلاً عن استخدام معلومات لمقارنة أفضل دول العالم من حيث تأثير التراث الثقافي، وبناءً على الاجتماع من هذه المصادر، حُكِمَ على الاختيار النهائي لمدن العام. والسؤال الذي تحاول هذه الورقة الإجابة عليه: لماذا العراق خارج مؤشر التأثير الثقافي؟ وما الهدف من وجوده وكيفية قياسه؟ بالاعتماد على البيانات والمؤشرات الصادرة عن المؤشر.
يتميَّز مؤشر التأثير الثقافي عن المقاييس الأخرى المتعلقة بقياس المؤشرات التنموية على الأبعاد غير الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، ونهج قياس يعتمد على مؤشرات النتائج، على مقياس (1-100) وَفْقاً لما يلي: إعطاء كل مؤشر فردي ترجيحاً متساوياً ضمن كل فئة من الفئات التسع مع بعض المؤشرات التي تتكوَّن من (2-3) مؤشرات فرعية رُجِّحَت أيضاً بالتساوي. (رُجِّحَت كل فئة بالتساوي للوصول إلى المؤشر العام)، عن طريق تشكيل لجنة لاستعراض نقط البيانات المستقاة من مصادر، عديدة، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي، ومؤشر الأداء البيئي، ومؤشر الحياة الأفضل، وكتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية، والبنك الدولي، والتقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فضلاً عن استخدام معلومات لمقارنة أفضل دول العالم من حيث تأثير التراث الثقافي، وبناءً على الاجتماع من هذه المصادر، حُكِمَ على الاختيار النهائي لمدن العام. والسؤال الذي تحاول هذه الورقة الإجابة عليه: لماذا العراق خارج مؤشر التأثير الثقافي؟ وما الهدف من وجوده وكيفية قياسه؟ بالاعتماد على البيانات والمؤشرات الصادرة عن المؤشر.
هذا ما يعمل عليه مؤشر التأثير الثقافي في بلدان العالم، وتصدرت إيطاليا هذا المؤشر، واحلت 10 من البلدان العربية مراكز متقدمة فيه. وكان العراق خارجه، في مجال الترفيه والموضة، والسعادة وغيرها لكن الأهم كان في مجال الثقافة المؤثرة التي ترتبط الثقافة بالأدب، والقصة، والرواية، والمقال النقدي، والعمل المسرحي، وكذلك ترتبط بالكاتب، والأديب، والرسام، والفنَّان، ومن ثَّم تعبِر الثقافة عن وسائل ارتقاء المجتمع، إذ يعاني العراق من فراغ ثقافي، له أسبابه منها غياب الإنتاج الثقافي، ويعود ذلك إلى جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة، وثانياً إلى انصهار الجانب الثقافي الذي يرتبط بظاهرة عدم الاستقرار السياسي وسيطرة سلطة القمع على المثقفين والجانب الثقافي، إذ لا ينمو الجانب الثقافي في المجتمعات المشوهة التي تعاني من التوغلات السياسة والثقافية وسيطرة مدخلات الاجتماعية والسياسية على الجانب الثقافي.
ما الذي يراه المثقف العراقي من هكذا دراسة مهمة..سؤال طرحناه على عدد من مثقفينا، فكانت هذه إجاباتهم:
المسرحي والاكاديمي د. عقيل مهدي: ان نقوم بإنشاء (مجلس اعلى للثقافة) على وفق منظومة ثقافية جديرة
قد تميز الثقافة الزائفة بخلاف الجادة الحقيقية حين يتم تزوير كتب اجنبية لم تترجم الى العربية اذ يقوم البعص بانتحالها وكانه كاتبها حتى على صعيد الثقافة الفنية ومنها العروض المسرحية التي يقوم بمحاكاتها في التاليف والعرض المسرحي لكنه يقلد عروض هامشية حتى وان كانت تأتي من بلدان غربية لكنها لا تمثل البعد الاحترافي في تلك المسارح التي تنجز عروضاً بالغة السعة والضخامة في ابعادها الفنية وطروحاتها الثقافية بتقانةٍ (سبرانية) في تشكيلاتها (السينوجرافية) وبفضاء اخراجي مبتكر لتشخيص مشكلات معاصرة في مراحل تطورها الحضاري وما تقوم عليه من ركائز في مستقبل ثقافي جدير بالاهتمام مبتعداً عن افتعال بؤر متصارعة من غير (هوية) لا تليق بالابتكار والجرأة ببعدٍ اجتماعي وعوالم فنية ثقافية بمواهب متجددة برؤى واحساسات فنية ترسخ اتجاهات مستقبلية عالمية مغايرة للانماط التقليدية الراكدة في تنوعها واختلافاتها وجرأتها المتعلقة بطروحاتها الفنية وقيمها الشاملة ببعد (ثقافي) متوازن عالمياً وبموسوعية متكاملة مشرقة.
هنا يتحتم على ضرورة ان تقوم الثقافة العراقية بانشاء (مجلس اعلى للثقافة) للجان ثقافية على وفق منظومة ثقافية جديرة وعلى اطلاع واسع بشؤون الثقافات الاجنبية الاكثر جدارة ورصانة حتى تقوى على اصطفاء تراجم تضم مشكلات عدة ومنها (حقوق المرأة) التي يجب ان يصدر قانون ثقافي لتشجيعها وتبني تفردها الثقافي بمناخ مناسب للكتابة الخاصة بها.
وكذلك الاهتمام ب(النقد) ببعده الثقافي، بوصفه لغة موازية للكتاب، للمسرح، للتعليم، وللمجتمع بشكل عام.
كما ينبغي تنشيط (ثقافة الطفل) باتجاهات جديدة واعتماد ضوابط جادة للنشر الملتزم ببعدٍ ثقافيٍ وخلق سليم يرتبط بقيم الانسانية الرفيعة في جودة التأليف ورصانته لكبار المثقفين في العراق التي تخص مجالات تخصصية ثقافية على مستوى الادب والفن والفكر والفلسفة والاجتماع والايدلوجية وعلاقاتها بالحداثة باعتماد معايير عالمية تخص القيم الثقافية للمبدعين وضرورة مقاربتها بشكل موضوعي مع ثقافتنا العربية يتبناها مختصون في النشاط الثقافي الارقى كما ينبغي الاشارة الى ضرورة العناية بمناهج تربوية معتمدة ثقافياً بالمدارس والمعاهد والجامعات بتخصصات متنوعة واقامة تقاليد ترسخ وتروج البعد التواصلي في الاستثمار الثقافي الخاص والعام ودعم منشوراتها وكتبها وفنونها وكذلك محاولة التفاعل مع بعض شركات الانتاج في السينما والمسرح والاوبرا في منظومة ثقافية عراقيةٍ وعربيةٍ تخص دور النشر ايضاً والتركيز على استثمار السفرات السياحية للاجانب.
وتستدعي الضرورة الاشارة الى تهميش عطاءات بعض المبدعين العراقيين بطريقة تجارية بتسليع الثقافة التي تخص عالمنا نحن وبالتالي تضيق دور النشر العراقية مساحة الحرية للكاتب بمكاسبها التجارية التي ترهق المبدعين المثقفين كما يقتضي الامر ايضاً العناية بمدى اوسع لتراجم عراقية لمثقفينا بشتى (تخصصاتهم الدقيقة) بشكل معرفي وثقافي عالمي وبلغات اجنبية متعددة.
الكاتب د.قحطان المعموري:. يشكّل الاستقرار السياسي الأرضية الصلبة التي يقوم عليها ازدهار الجانب الثقافي
يقيسُ مؤشر الثقافة العالمي كيفية النظرة الى الدول من خلال معايير ثقافيّة مُتعددة هي أوسع كثيراً من مفهومِ الثقافةِ السائد لدى الكثيرين، لابل حتى لدى اولئكَ الذينَ يتصدون للشأنِ الثقافي. يتجنب المؤشر الخوضَ في الجانبِ العسكري والسياسي للدول، لكن في بلدٍ مثل العراق فأنهُ من غيرِ الممكنِ فصل ثنائية السياسة والثقافة. يشكّل الاستقرار السياسي الأرضية الصلبة التي يقوم عليها ازدهار الجانب الثقافي، بينما تسهم الثقافة بدورها في تعزيز الاستقرار السياسي من خلال بناء مجتمع واعٍ ومتصالح مع ذاته. إن العلاقة بينهما علاقة تكاملية، حيث يكمّل كل منهما الآخر في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمع. إن غياب العراق عن هذا المؤشر ليس بالأمر الغريب في ظل إضطراب الوضع السياسي الذي ألقى بظلاله القاتمة على الحياة الثقافية مما أدى الى عدم توفر المناخ الآمن الذي يتمكن فيه المثقفون من العمل الإبداعي بحرية دون أي خشية من القمع الحكومي وحتى المجتمعي، مما أدى بدوره الى تقلّص النتاج والنشاط الثقافي كإقامة المهرجانت الثقافية وإصدار الكتب وإقامة المعارض الفنية وغيرها، وقد عزّز كل ذلك سياسة الإهمال الحكومي للثقافة والنظرة القاصرة اليها، و قد ظهر ذلك جلياّ في ضعف تخطيطها وانخفاض تمويلها المخصص للأنشطة الثقافية قياساً بالدول حتى المجاورة منها، وتسليم المسؤوليات الثقافية الى أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة والذين همهم الوحيد جني المكاسب، يضاف الى ذلك إزدياد حدة الإستقطاب الديني و الطائفي والعرقي وتعدد الهويات الثقافية على حساب الهوية الوطنية المشتركة. رغم كل هذه التحديات فأن بإمكان العراق إستعادة مكانته الطبيعية في المجال الثقافي، من خلال تشكيل مجلس أعلى للثقافة بدلاً من الوزارة، يأخذ على عاتقه رسم سياسة العراق الثقافية في الداخل، إضافة الى إعادة فتح المراكز الثقافية العراقية التي يديرها مثقفون أَكْفَاء وفي أكثر من عاصمة أجنبية لإقامة المهرجانات والمعارض الفنية وحتى عروض الأزياء لتعريف المجتمعات الاخرى بثقافتنا.
الكاتب والناقد أحمد حسين الظفيري: ومن المؤثرات المهمة ضعف الاستثمار في القطاع الثقافي.
إن خروج العراق من مؤشر التأثير الثقافي يعد نتيجة طبيعية لمجموعة من العوامل التي أسهمت بشكل مباشر في إضعاف الواقع الثقافي بصورة عامة في العراق، وأهمها الأوضاع السياسية والأمنية، إن مرور العراق بحروب واضطرابات واحتلال خارجي واضطرابات داخلية كل ذلك أدى إلى إضعاف البنية التحتية للثقافة، فضلا عن الانقسامات الطائفية والإثنية التي تحولت لانقسامات سياسية أثرت بشكل مباشر على بنية الجسد الثقافي بصورته الكلية.
ومن المؤثرات المهمة ضعف الاستثمار في القطاع الثقافي، إذ أن هذا القطاع بحاجة لدعم حكومي مدروس بوصفه واجهة البلد وصورته تجاه العالم، لاسيما صناعة السينما والقطاع الدرامي، فضلا عن الموسيقى والتشكيل والأدب، كذلك عدم وجود خطة وطنية محددة وواضحة لتسويق الإرث الثقافي للعالم، وهذا يدل على ضعف الستراتيجية الثقافية – وانعدامها إن صح التعبير- فالدول تتسابق بإقامة المهرجانات العالمية أو المشاركة فيها لأجل تقديم صورة مغايرة، لاسيما وأن الصورة النمطية المعروفة عن العراق أنه بلد حروب وصراعات فقط، ولهذا يجب أن تكون هنالك خطة مدروسة وواضحة المعالم لتصدير صورة إيجابية مغايرة عن الواقع الانساني والثقافي في العراق.
ولا يخفى ضعف الجهاز التعليمي في العراق، مما انعكس بصورة سلبية مباشرة على القطاع الثقافي، إذ أن الثقافة تعتمد في الأساس على البرامج التعليمية التي تعزز الفنون والآداب، وتنمي التنوير الفكري الذي يطلق العنان للإبداع الأدبي والفني عند الفرد.
يمتلك العراق تراثاً فكريا وحضاريا ثريا، كان من الممكن أن يستثمره في حال وضع استراتيجية لاستثماره عبر تعزيز الحريات للمثقفين والفنانين عبر السماح لهم بالتعبير دون تضييق أو رقابة، فضلا عن تكثيف التعاون مع المنظمات الدولة الخاصة بالثقافات والفنون لغرض تسليط الضوء على الثقافة العراقية.
الناقد علي فواز: ماورثه العراق السياسي من مهيمنات فرضت سياقها على المشاريع الثقافية
البحث عن توصيف موضوعي لمفهوم التأثير الثقافي يتطلب وجود البيئة الثقافية والفاعليات التي تعطي لهذا التأثير قيمته وأهميته وتسهم في ترسيم تشكلات خارطته الثقافية.
ماورثه العراق السياسي من مركزيات ومهيمنات فرضت سياقها على صناعة البرامج والمشاريع الثقافية وعطلت اي جهد للتأثير الثقافي، فضلا عن ان غياب المهنية الثقافية ورثاثة مؤسساتها وضعف حرياتها كانت من ابرز السمات والمؤشرات الضاغطة على تحفيز فاعلية التأثير الثقافي الحضاري والمدني، وبالتالي جعل من مفهوم هذا التأثير خاضعا إلى موجهات شعبوية ضيقة الافق وخارج تأطيرها التاريخ الثقافي الذي يمتلكه العراق الحضاري والعلمي والشعري والذي يمكنه ان يكون جزءا فاعلا في الاستثمار الثقافي والتنمية الثقافية وتوسيع مساحة الوعي الثقافي الذي يرتبط بهوية الدولة الحديثة والمجتمع الحديث وبكل استحقاقات قيم التقدم وحمولاتها الرمزية والحضارية ونماذجها الرائدة في مجالات التأسيس الثقافي، والتي تستدعي اجراءات وممارسات وحتى تشريعات تحمي الصناعات الثقافية وتعنى بالموروث الثقافي من خلال دعم هذه الصناعات وتيسير عمل مؤسساتها وباتجاه ان يكون التأثير الثقافي جهدا ستراتيجيا وافقا مفتوحا على سياسات تجعل من الملف الثقافي جزءا من منظومة الامن الوطني ومن هوية الدولة والمجتمع
الروائي عبد الأميرالمجر: اصبح مخزوننا الثقافي اشبه برأس مال الكبير بيد تاجر غير ذكي.
لعل المفارقة في هذا الأمر، تكمن في ان العراق يمتلك واحدا من اكبر المخزونات الثقافية والتراثية في العالم، لكننا نفتقد الى المؤسسات التي تعي ذلك وتعمل على تفعيله، لذا اصبح مخزوننا الثقافي اشبه برأس مال الكبير بيد تاجر غير ذكي، ليس فقط لايعرف كيف يضاعفه وانما يجعله في تراجع مستمر.. العالم يستثمر كل معلم تراثي او ثقافي ليجعل الفائدة منه مزدوجة، تتمثل بتقديم وجه البلد الحضاري والثقافي، وايضا تجعله مصدرا ماليا من خلال تحويله الى معلم سياحي، اما نحن الذين فنمتلك معالم ثقافية مختلفة ومتنوعة، تاريخية وتراثية ودينية وغيرها، لكننا لانعرف كيف نسوقها لا سياحيا ولا ثقافيا، بالاضافة الى الاهمال الذي تتعرض له تلك المواقع التي يكاد بعضها يندثر ويغادر ذاكرة الناس، بسبب غياب الوعي بأهميتها بفعل التشوه الثقافي الذي تعيشه البلاد في ظل واقع سياسي لايقدّر قيمة الثقافة واهميتها.. فالعراقي الذي يذهب الى بلدان العالم ومنها عربية، يعود وهو يتحدث عن زيارته لقبر هذا الفنان او ذاك الرمز الوطني او الثقافي وحتى العسكري، وقد جعلت منه الدولة هناك معلما ثقافيا سياحيا، وهكذا تعمل البلدان المتقدمة التي تجاوزت اختلافها مع المراحل السابقة ووظفت الكثير من تركاتها سياحيا، بينما يتفنن البعض عندنا في كيفية طمس معالم أي شيء يختلفون معه في الثقافة والرؤية مع ان الزمن قد عفا على تلك الخلافات وباتت غير حاضرة في حياة الناس.. المؤكد ان العراق سيبقى خارج التصنيف في هذا المجال مادامت العقلية التي تقود مؤسسات الدولة تفكر بطريقة متخلفة وغير مستوعبة لمعطيات الحياة الجديدة.
الروائي شاكر الأنباري: هناك تراجع كبير في التعليم، والذهنية الخرافية ما زالت هي المهيمنة على السواد الأعظم
الثقافة العراقية بكل حقولها نشطة نسبياً، مقارنة بالظروف القاسية التي عاشتها منذ عقود. لكنها غير مؤثرة في المجتمع بشكل ملموس، ولا في العالم المحيط، لأسباب كثيرة، بعضها تاريخي له علاقة بالتطور المجتمعي، والفجوة المعرفية بين الشعب والسياقات العالمية التي تعيشها البشرية. فنحن لم نتحول إلى دولة معاصرة، إلا في بدايات القرن العشرين، بعد انهيار الحكم العثماني. واليوم هناك تراجع كبير في التعليم، والذهنية الخرافية ما زالت هي المهيمنة على السواد الأعظم من الشعب، والبيئات المغلقة هي المسيطرة، مع غياب واضح للمؤسسات والقوانين، خاصة وأننا خرجنا من حروب متعاقبة توّجت بهيمنة دينية على التشريع، وانهيار بنيوي في حقول الدولة أجمع. هذا وغيره أفقد الثقافة تأثيرها على الفرد، وعلى المحيط الإقليمي، كي لا نقول والعالمي. وقد وصلنا إلى مجتمع لم يعد يحتاج إلى الثقافة الرفيعة كالمسرح، والسينما، والكتاب، والفكر، والندوات الحوارية حول أفضل السبل لبلوغ مرحلة الحضارات المعاصرة التي نشترك بها مع دول العالم.
الفرد بشكل عام لم يعد يهتم بالثقافة، لأنه يفتقد إلى الأساسيات في حياته، كالكهرباء والمستشفيات والجامعات والأمان اليومي الذي ينبغي أن تحافظ عليه المؤسسات الأمنية الرسمية، لا التجمعات المسلحة الموازية، أو الميليشيات الخارجة عن سيطرة قوانين الدولة. هذا إن لم نتكلم عن السياحة المفقودة، وهي اليوم عنوان للتواصل مع الشعوب، وفسحة لتلاقح ثقافي ولغوي وحضاري. العراق يمتلك إرثاً حضارياً يجعله في طليعة الدول السياحية في العالم، لكن مؤسسات الحكم المتأسلمة لا تمتلك تصوراً حضارياً لفكرة أن يكون البلد بلداً فاعلاً يجذب الشعوب الأخرى. فإن يكون البلد سياحياً، ومؤثراً ثقافياً وفنياً، ينبغي عليه توفير بنية تحتية راسخة، من محلات ترفيه، وخمور، وغناء، وفرق رقص، وفرق موسيقية، وطرق آمنة، وحرية شخصية للنساء والرجال في الملبس والمأكل، ومؤسسات بحثية، وتسهيلات مالية في البنوك، وحرية تعبير. وكل ذلك ضمن قوانين حضارية تؤمن بكل ما سبق. إذن، فإخفاق الثقافة في أن تكون مؤثرة وطنياً، وعالمياً، مع نشاط النخب عامة في ظروف تقتل الإبداع، يصبح مفهوماً في هذه الحقبة. حقبة الانفلات والفوضى والقوانين المتخلفة التي لا يعلم واضعوها ماذا يجري في العالم.
الكاتب والمترجم: علي عبد الأمير صالح: وتدني الثقافة نفسها، وابتعاد المثقف (القسري أحيانًا) عن جمهوره،
إنّ ما حصل في العراق منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا هو تراجعٌ واضح ومفضوح في شتى الميادين العلمية والثقافية والترفيهية والسياحية وسواها. وفي رأيي أنّ هذا التراجع سببُه عدم الاستقرار السياسي، وتدّني المستوى المعيشي بسبب ظروف الحصار الاقتصادي الذي استمر ثلاثة عشر عامًا، ناهيك عما رافق الحروب والحصار من تأثيرات على البنية الاجتماعية والأسرية، واضطرار شرائح كبيرة من المجتمع العراقي إلى التضحية بشروط الحياة الكريمة والبحث عما يسد رمقها في ظل الفقر المدقع، وتردي الخدمات الصحية، وشح الأدوية وتفشي البطالة، وغياب تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، وسواها. إضافًة إلى تدني التعليم بكافة مراحله بدءًا من الدراسة الابتدائية حتى الدراسة الجامعية، لا بل شمل حتى ما بعد الدراسة الجامعية الأولية، وأعني الماجستير والدكتوراه. والسبب الآخر هو قلّة الوعي بدور التعليم نفسه، وتدني الثقافة نفسها، وابتعاد المثقف (القسري أحيانًا) عن جمهوره، ربما بسبب العزلة التي فرضها طوعًا على نفسه، أو أرغمته عليها السلطة السياسية والدينية، خشيةَ أن يكون له دورٌ مؤثر وفاعل في تغيير المجتمع الذي تروم تلك السلطات أن تُبقيه في حالة الجهل، والكسل، والبلادة، والإيمان بالقضاء والقدر، أو بالخرافات، وعدم الالتفات إلى النماذج المُشرِقة في بلداننا العربية، أو في العالَم، ومنها أوربا والصين واليابان والولايات المتحدة. فضلًا عن القيود والمحظورات التي تفرضها السلطات السياسية والدينية على الأفكار الجديدة وأساليب الحياة العصرية بحجة أنها تُفسِد المجتمع، وتشوّه معتقداته، وتمسخ هويته الوطنية والقومية والدينية. ولهذا فتهميش دور الثقافة نفسها، وقلّة دعم الدولة للمؤسسات الثقافية العامة والأندية والجمعيات والاتحادات المَعنية بالثقافة والفن والجمال والرُقي والسلم الاجتماعي، وإرغام المثقفين والأدباء والفنانين على تبني استراتيجياتها، والتمرّغ ببراز شعاراتها السياسية الجوفاء، وإغراءهم تارًة بالمناصب والعطايا والجوائز وطورًا إذلالهم وإهانتهم وتهديدهم بالقتل والسجن والنفي، إضافًة إلى تهميش المثقفين أنفسَهم بأنفسِهم، وتخوّفهم من السلطة المُستبدة، وأساليبها القمعية، وعدم استعدادهم للتضحية وتحدّي الصعوبات ومواصلة العطاء والمثابرة، هذه كلّها ساهمت في تعميق جراحاتهم وعذاباتهم، وتراجع الانتاج الثقافي، وخروج العراق من دائرة التأثير.