ثقافة وفن

في مهرجان الخريف.. أعمال تجمع بين التعبيرية والتجريد والسريالية

عبد الكريم البليخ
يشكل “ملتقى فيينا للفن من أجل الحرية” حدثا سنوياً يستضيفه خريف فيينا، جامعاً فنانين من مختلف أنحاء العالم في إطار ثقافي حرّ وشامل. تمثل هذه الدورة الثانية، التي أُقيمت في الحادي عشر من نوفمبر، للعام الحالي 2024 منصة للتعبير عن قضايا الإنسانية والحرية والانفتاح على الثقافات المختلفة، وتوحيد الجهود في الانتصار لقيم السلام والتعايش. يشارك فنانون من جنسيات وثقافات متعددة ليبرزوا تداخل الهويات وتفاعلها في إطار جمالي يحمل بصمة الفن وأثره العميق.
يُعبّر إبراهيم برغود، الفنان التشكيلي السوري المقيم في النمسا، عن فلسفة “ملتقى فيينا” التي ترى الفن أداة للتعبير عن الإنسانية والوطن والحرية. يؤكد برغود أن “الفن الحقيقي والعميق لا يزدهر بالانعزال، بل بإثبات الذات والانخراط في العمل الثقافي الحرّ.” ويرى برغود أن تفاعل الفنان مع محيطه وإيمانه بإرثه الثقافي وتقديره للمساحة المشتركة للتفاهم بين الشعوب هو ما يعطي قيمة للفن. يؤمن برغود أن “لوحاتي تخترق جدران القلوب، وتحث الناس على المحبة والسلام.”
ويشارك برغود مع غيره من الفنانين العرب، ممن يحملون ثنائية ثقافية ويعكسون تجارب الهجرة والاندماج، أفكاراً فنية تحاول تجاوز الانقسامات بين الثقافات وتحفز على التبادل الحرّ في الفن بعيدًا عن التصنيف والأدلجة.
وأكد برغود، في كلمته الافتتاحية، على أهمية “ملتقى فيينا” كفرصة لتعزيز التبادل الثقافي وتوحيد الفنانين من خلفيات متنوعة. يسعى الملتقى إلى بناء جسور للتعاون بين الفنانين العرب والأجانب، مما يخلق فرصة لتبادل الخبرات والمعرفة ويضع نموذجًا عالميًا لتعاون ثقافي وثيق.
ضم المعرض أعمالاً تتنوع بين التعبيرية، التجريدية، السريالية، والمفاهيمية، ما يعكس غنى التجارب والخبرات الإنسانية للمشاركين. استعرض الفنانون تفاصيل تعكس تجاربهم الحياتية، مثل آثار الزمن والانطباعات على الجدران، مما يسلط الضوء على مشاعرهم العميقة بالحنين والمشاعر الإنسانية المعقدة في مواجهة تحديات الاندماج.
اختار الملتقى أن يجمع الفنان العربي بنظيره الغربي في حوارات بصرية حرة، تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ليصبح الفن وسيلة للتفاهم والتعايش، معبرًا عن رسائل الإنسانية بألوان تنبع من تجربة المبدع الخاصة وتطلعاته الأعمق.
شارك في هذا الملتقى فنانون من جنسيات متعددة، من بينهم كريم سعدون من العراق، الذي يبرز في أعماله تأثيرات الزمن والانطباعات على الجسد، ويعبر عن مشاعر الاغتراب والحنين في إطار تجربته كفنان مهاجر. تظهر لوحاته شخصيات في حالات تأمل وانتظار، فيما تعكس ألوانه المحايدة وضبابيتها تأثيرات التغيرات الاجتماعية والسياسية التي عاشها.
كما يرى الفنان يونس العزاوي، الذي قدم عدداً من اللوحات في المعرض، أن “الرسم وسيلة فعالة للتعبير عن الذات وتفريغ العواطف والضغوطات”، مشيراً إلى دور الفن في تعزيز الثقة بالنفس والمساعدة على التعبير الحرّ.
وقال الروائي أكرم حسن منذر ضيف المهرجان “ما تضمنته اللوحات المشاركة من إبداعات حقيقية يمكنها أن تكون حوامل دامغة للثقافة من الممكن الاستفادة منها في مواضع وأماكن أخرى”. ويشرح “الفن ليس بالضرورة ما يتجلى في الرواية والقصة والمقالة والمسرح فهناك أجناس أدبية أخرى يمكنها أن تكون أكثر حضوراً، وتجسد واقعاً معاشاً بطريقة أو أخرى، ومنها ما نشاهده اليوم بحضور هذه الكوكبة من الفنانين التشكيليين الذين يشاركون بأعمال فنية تلفت الانتباه في بعضها، وتحمل مضامين ترفد، وترفع من شأن الوعي الثقافي لدى العامة.. فالثقافة تظل أبوابها مفتوحة لمن يرى في نفسه القدرة على الإبداع، والفن التشكيلي يعد برأيه من أبرز تلك المنابر في حال استخدم بالطريقة المفيدة التي ينتفع منها المتلقي بالدرجة الأولى”.
تميزت فعاليات الملتقى بمزيج من الأنشطة الفنية والموسيقية وحلقات النقاش، حيث تم طرح قضايا الفن المعاصر والتحديات التي يواجهها الفنانون في نقل تجاربهم وثقافاتهم. اجتمع الفنانون والمثقفون والمبدعون لمناقشة أهمية الفن في المجتمعات الإنسانية ومكانته كوسيلة للتفاهم والتواصل، بما يحفزهم على توسيع نطاق الحوارات الثقافية في المستقبل.
اختُتم المهرجان بأمسية شعرية شارك فيها الشاعران فؤاد الشردودي وعزيز أزهاي من المغرب، مصحوبة بموسيقى فرقة بلغارية، مما أضاف طابعاً احتفالياً يعبر عن التقارب الثقافي والتكامل الفني. كما كان للفنان واكد الشوفي حضور لافت بالعزف على العود، حيث استحضر أغاني تراثية من الزمن الجميل، مما أضفى على الأمسية لمسة فنية أصيلة تركت أثراً كبيراً في نفوس الحضور.
عمل القائمون على الملتقى على خلق بيئة تجمع الفنانين المغتربين وتعيد إليهم شعور الانتماء إلى أوطانهم، مع تعزيز أواصر المحبة والانتماء بين الثقافات المختلفة. يظل “ملتقى فيينا للفن من أجل الحرية” فضاءً فنياً يفتح آفاقاً جديدة للتفاهم الإنساني، ويؤكد على أن الفن لغة عالمية لا تعرف الحدود، وتجمع الناس في رحلة فنية تدعو إلى الحرية والسلام والاحترام المتبادل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى