مرحلة صعبة تنتظر أوروبا وأمن ألمانيا ليس من أولويات ترامب! – DW – 2024/11/28
تثير تقلبات دونالد ترامب غير المتوقعة أكبر المخاوف لدى السياسيين الألمان. فهل سيوجه مرة أخرى انتقادات حادة لألمانيا، كما فعل في فترة ولايته الأولى؟ وهل سيتهجَّم على حلف الناتو، وخاصة على شركائه الأوروبيين، أو حتى سيهدد بالخروج من الحلف؟
من الصعب تقييم كل هذه التساؤلات، التي تثير في برلين بعض القلق. وعندما عرضت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك “الشراكة والصداقة” على ترامب بعد فوزه في الانتخابات، كانت تكمن في ذلك أيضًا رغبة في الاعتماد عليه في الأوقات الصعبة.
ألمانيا لا يمكنها الاستغناء عن الناتو
ولا أحد – سواء على هذا الجانب أو على الجانب الآخر من الأطلسي – يشك في كون العلاقات الألمانية الأمريكية تقوم على أساس متين. لقد أكد الرئيس الديمقراطي جو بايدن دائمًا على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستدافع عن “كل سَنتِميتر من أراضي الناتو” في حالة تعرضها لهجوم.
وقد كان هذا بالنسبة لأعضاء الناتو الأوروبيين بمثابة تعهد مطمئن. فألمانيا لم يعد لديها سوى 180 ألف جندي وجيشها غير مجهز بتجهيزات كافية، ولذلك ستعتمد بشكل أساسي على حماية حلف الناتو العسكري في حالة نشوب صراع.
ولكن في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب ستهب رياح مختلفة عما كانت عليه في عهد بايدن الداعم للعلاقات عبر الأطلسي. وهذا لا يقتصر على حقيقة أن أوروبا تلعب دورًا ثانويًا فقط في فهم ترامب الجيوسياسي، ومكانها بعد الصين ومنطقة المحيط الهادئ والهندي. فترامب يرى أيضًا أن الدفاع عن أوروبا يعتبر في المقام الأول مهمة أوروبية – وليس مهمة أمريكية.
يجب على أوروبا استثمار المزيد في أمنها
والولايات المتحدة الأمريكية تتحمل في الوقت الحالي نصيب الأسد من نفقات حلف الناتو، وتوفر غالبية القوات والقدرات الأساسية في مجال الاستطلاع والخدمات اللوجستية. ومن الممكن لترامب، الذي كثيرًا ما وصف عضوية الناتو بأنَّها مكلفة جدًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أن يقلل كثيرًا من حجم هذا الالتزام.
ولذلك فقد رد بسرعة وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) قائلًا: “نحن الأوروبيون يجب علينا أن نفعل المزيد من أجل أمننا. يجب علينا أن نتوصل إلى تقاسم عادل للأعباء”، حسبما أوضح بعد فوز ترامب في الانتخابات – ودعا نظراءه وزراء دفاع فرنسا وبولندا وبريطانيا وإيطاليا إلى الاجتماع لمناقشة قدرة أوروبا الدفاعية.
ويبدو بعد إعادة انتخاب ترامب أنَّ تحسين هذه القدرة الدفاعية بات ملحًا أكثر بكثير من ذي قبل – وبإمكان ألمانيا أن تلعب دورًا رائدًا هنا. ولكن ألمانيا تعاني حاليًا من أزمة حكومية، ومن المتوقع أن تجرى انتخابات مبكرة في 23 شباط/ فبراير 2025. ومنذ فترة طويلة يطالب خبراء الأمن بأن تكون أوروبا قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية حتى من دون الولايات المتحدة الأمريكية.
وترامب يهتم كثيرًا بالمال، و”الصفقات”، وكل شيء يمكن أن يكون ورقة مساومة لديه، فهذا النمط السياسي ميز فترة ولايته الأولى (2017-2021). وحتى في ذلك الوقت، كان يتذمر باستمرار من إنفاق ألمانيا الدفاعي المنخفض جدًا بحسب رأيه. وادعى ترامب أنَّ ألمانيا مدينة لحلف الناتو “بمبالغ ضخمة”. وقد أثار ذلك عضب المستشارة أنغيلا ميركل آنذاك.
الحماية فقط مقابل المال؟
من المتوقع أن يعيد ترامب طرح قضية الإنفاق الدفاعي من جديد. وقد ألمح إلى ذلك مرة أخرى حتى في حملته الانتخابية، فكان يقول بصخب وسط تصفيق أنصاره: إنَّ مَنْ لا يحقق “هدف نسبة 2 بالمائة” المحدد من الناتو – أي عدم استثماره نسبة 2 بالمائة على الأقل من ناتجه المحلي الإجمالي في الدفاع – لن تحميه الولايات المتحدة الأمريكية.
ومثل هذه التصريحات خطيرة بحسب الخبيرة الأمنية أولريكه فرانكه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “فهذا وحده يقوض حلف الناتو بشكل كبير، لأنَّ الثقة في الناتو مبنية على الاعتقاد بأنَّ الحلفاء الآخرين يأتون للمساعدة”، كما قالت لـDW.
وأيضًا كبيرة الاستراتيجيين السابقة في حلف الناو، شتيفاني بابست تنظر بعين القلق إلى رئاسة دونالد ترامب الثانية. وتقول إنَّ “ترامب لا ينظر إلى حلف الناتو كتحالف قيم، بل كرابطة خدمات”، وإنَّ مَنْ يدفع يحصل على الحماية، وهذا الموقف بحسب تعبيرها “سم حقيقي لحلف الناتو”. وفي نهاية المطاف يستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الخلاف داخل حلف الناتو.
هل تحدث قريبًا فجوة في ميزانية الدفاع الألمانية؟
إذن هل يمكن لألمانيا، باعتبارها “دافع يفترض أنَّه متخلف عن السداد”، أن تسقط أيضًا من وعد الحماية، الذي قطعته الإدارة الأمريكية الجديدة، على الرغم من الأسلحة النووية الأمريكية الموجودة هنا في ألمانيا، والتي تخدم كرادع نووي؟
في هذا العام، أنفقت الحكومة الألمانية وللمرة الأولى منذ عقود 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع ـ وقد أوفت بذلك بالالتزام الذاتي للدول الأعضاء في حلف الناتو. ولكن ذلك تحقق فقط بفضل ما يسمى بصندوق الثروة الخاصة (ديون جديدة)، والذي أسسته الحكومة بقيمة 100 مليار يورو للجيش الألماني بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وفي الواقع سيستنفد في عام 2026 أو 2027. وستكون مهمة الحكومة الألمانية الجديدة هي زيادة ميزانية الدفاع بشكل دائم. وبخلاف ذلك من الممكن أن ينخفض إنفاق ألمانيا الدفاعي مرة أخرى إلى ما دون نسبة الـ 2 بالمائة وتعرض نفسها لانتقادات حلفائها. لقد هدد ترامب خلال فترة رئاسته بسحب بعض القوات الأمريكية المتمركزة في ألمانيا – “كعقوبة” على ما اعتبره إنفاقًا دفاعيًا غير كافٍ.
تهديد بإنهاء الدعم الأمريكي لأوكرانيا
وهناك موضوع آخر يسبب صداعًا للأوروبيين، وهو موضوع المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وهنا أيضًا تعد الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن أكبر دولة مانحة، وتليها ألمانيا. وتصريحات ترامب حول هذا الموضوع تثير المخاوف من عدم منحه أية مساعدات أمريكية أخرى.
وتشك الخبيرة الأمنية أولريكه فرانكه في قدرة الأوروبيين على التعويض عن هذا النقص. وتقول إنَّ المال ليس مشكلة أقل من مشكلة توريد الأسلحة: “في رأيي المشكلة الكبيرة حقًا هي المعدات العسكرية. لقد أفرغنا ترساناتنا خلال العامين ونصف العام الماضيين. وما لم نفعله بما يكفي هو تطوير إنتاجنا الصناعي”. وصحيح أنَّ ألمانيا قد زادت إنتاجها من الأسلحة بشكل ملحوظ منذ بداية الحرب الأوكرانية، ولكنها بدأت من مستوى منخفض مثلًا في إنتاجها الذخيرة.
ما هي “الصفقة” التي سيقترحها ترامب على بوتين؟
كذلك أثار إعلان ترامب أنَْه سينهي الحرب في أوكرانيا “خلال 24 ساعة” غضبًا في ألمانيا. ومن الممكن أن يعقد ترامب “اتفاقًا بشكل ما مع بوتين، والأوروبيون غير متحدين بما فيه الكفاية ولا في وضع يسمح لهم برفض هذه الصفقة”، كما قالت أولريكه فرانكه لـDW. وأضافت أنَّ هذا بالنسبة إليها “سيناريو مرعب”.
وإذا حاول ترامب عقد اتفاق مع بوتين، فعلى الأرجح أنَّ أوكرانيا لن تكون جالسة على طاولة المفاوضات – وأوروبا لن تكون جالسة أيضًا، كما يتوقع توماس كلاين بروكهوف، مدير الجمعية الألمانية للعلاقات الخارجية. ويضيف أنَّ لا أحد يريد قبول استبعاده. ولذلك فهو يقترح أن تشكل الدول الأوروبية الكبرى مجموعة اتصال مع أوكرانيا لاستجلاء شروط وقف إطلاق النار – وتحديدًا قبل أن يتولى ترامب منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير.
أعده للعربية: رائد الباش