ثقافة وفن

موسيقى الاحد: هندل وثيودورا

ثائر صالح
قدم عمل جورج فريدريك هندل الدرامي / التراجيدي “ثيودورا” قبل 275 سنة تقريباً (آذار 1750) على مسرح كوفنت غاردن في لندن. كان أحد آخر الأعمال الضخمة التي كتبها هذا العبقري الألماني – الانكليزي الذي توفي سنة 1759. ألف هندل 25 اوراتوريو في حياته إثنان منها بالإيطالية وواحد بالألمانية استنادا إلى نص الشاعر الألماني برتولد هاينريش بروكس الذي استعمله موسيقيون آخرون هم تلمان وماتسون (صديق هندل) وغوتفريد هاينريش شتولتسل (1690 – 1749) الموسيقار الذي ألف كاناتات لا تقل عظمة عن كانتاتات باخ وصلنا منها 605 فقط، ويوهان فريدريش فاش (1688 – 1758) وآخرون. أما الأعمال الباقية فكانت باللغة الانكليزية ابتداء من اوراتوريو أستر (وهو بالمناسبة اسم بطلة أحد أسفار العهد القديم، وأصل اسم أستر هو عشتار البابلية).
كان هندل يؤلف الأوبرا باللغة الإيطالية، وهو أمر شائع في أوروبا وقتها، فقد ألف 42 أوبرا استمد معظم مواضيعها من الميثولوجيا اليونانية والتاريخ الروماني، لكنه بدأ يتوجه في التأليف نحو الأوراتوريو باللغة الإنكليزية عندما بدأ يواجه منافسة شديدة من مؤلفي الأوبرا الإيطاليين مما سبب انخفاض عائداته من تأليف وتقديم الأعمال باللغة الإيطالية. ثم أن الأوراتوريو لا يتطلب تكاليف باهظة في تقديم العمل على المسرح بما في ذلك الملابس الباذخة والديكور المعقد كما جرت العادة عند تقديم أوبرا عصر الباروك.
يعود موضوع اوراتوريو ثيودورا إلى بداية القرن الرابع، إلى عصر ديوكليتيان الامبراطور الروماني (حكم بين 284 – 305 في تقويمنا الحالي) واضطهاد المسيحيين في عصره قبل أن يعتنق ابنه قسطنطين المسيحية سنة 312 بتأثير أمه هيلينا التي تعتبرها الكنيسة قديسة لدورها هذا.
يتحدث الأوراتوريو عن ثيودورا، وهي امرأة اعتنقت المسيحية، وعن حبيبها ديديموس الضابط الروماني الذي اعتنق المسيحية هو الآخر، وآمره وصديقه سبتيموس الذي تعاطف معه، وفالنس حاكم أنطاكيا الروماني الوثني الذي يأمر بمعاقبة المسيحيين وإجبارهم على تقديم أضحية في معبد فينوس بمناسبة عيد ميلاد ديوكليتيان وتكليف سبتيموس بتنفيذ الأمر. بعد سلسلة من الأحداث مثل اعتقال ثيودورا وهروبها بمساعدة ديديموس بتواطؤ من سبتيموس ثم إسراع ثيودورا لتسليم نفسها أملا في إنقاذ حبيبها من الإعدام، لكن في النهاية يجري إعدام ثيودورا وحبيبها ويختتم الأوراتوريو بهذا المشهد التراجيدي.
لم يحصل الأوراتوريو على نجاح مثلما حصلت أعمال هندل السابقة، ربما يعود السبب إلى الموضوع التراجيدي الذي هو الموضوع المسيحي الوحيد الذي تناوله هندل، فقد استندت كل أوراتورياته الأخرى على قصص من العهد القديم. ويعتبر هندل هذا العمل الأكثر أهمية بالنسبة له، حتى أنه يُعلي أحد قطعه على كورس هللويا الشهير من أوراتوريو المسيح.
يقدم العمل اليوم غالباً على شكل كونسرت، ونادرا ما يقدم على المسرح. فقد حصل تقديمه في العقدين الأخيرين ومسرحته بضعة مرات ليتناول قضايا عصرية. أما مسرح كوفنت غاردن الذي شهد أول عرض له في 1750 فلم يقدمه منذ ذلك الحين إلا مؤخراً، قبل عامين. ما دفعني للكتابة عن هذا العمل هو حضوري تقديمه من قبل كاميراتا أورَسوند الدنماركية للموسيقى القديمة هذا اليوم، الأحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى