لماذا يثير افتتاح مكتب اتصال للناتو في الأردن كل هذا الجدل؟ – DW – 2024/7/18
أعرب الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي عن انتقادهم لنية حلف شمال الأطلسي (الناتو) فتح أول مكتب اتصال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالعاصمة الأردنية عمّان. وجاء القرار خلال قمة الحلف الأخيرة في واشنطن.
وأفادت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية في بيان أن المكتب سوف يسهم في “تعزيز علاقات التعاون المشترك” مع الحلف. وأضاف البيان “اعتمد الحلفاء في قمة الناتو لعام 2024 في واشنطن خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمني والإقليمي والعالمي، وحرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، من خلال إنشاء مكتب اتصال للحلف في المملكة الأردنية الهاشمية وهو مكتب الاتصال الأول في المنطقة”.
وأثار القرار ردود فعل على منصات التواصل الاجتماعي، في معظمها غاضبة. وعلق مستخدم على موقع الفيسبوك: “الخيانة تسري في العروق وإلا كيف تفسر وضع اليد في يد من يقتلون إخوانك في كل مكان”. وعلق آخر بقوله “الأردن باعوها بلا طلقة رصاص واحدة والقادم أسوأ”.
وسرد آخرون العديد من نظريات المؤامرة، فيما تكهن البعض بأن خطة فتح مكتب اتصال للناتو في الأردن ترتبط بالصراع في الشرق الأوسط.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الأردن لحملة انتقادات خلال الأشهر القليلة الماضية؛ إذ هاجم البعض في أبريل / نيسان الماضي مشاركة الأردن في التصدي للهجوم الإيراني بمسيرات على إسرائيل. وشدد الأردن في حينه بأنه كان يحمي مجاله الجوي.
ويتمتع الأردن بعلاقة وثيقة مع إسرائيل ترتكز على قضايا أمنية لا يتم الإعلان عنها، فضلاً عن تعاون عمان العسكري والدفاعي مع الناتو والولايات المتحدة والذي يعود لعقود.
ولم يتسن الحصول على تعليق من الناتو حيال موعد افتتاح مكتبه في الأردن، لكن إعلان توظيفي نشره الحلف عن حاجته إلى شغل وظيفة رئيس المكتب، أشار إلى أن الخامس والعشرين من أغسطس / آب المقبل سيكون الموعد النهائي لتقديم الطلبات.
الناتو “غير مرغوب فيه”
وفي مقابلات مع DW، أكد خبراء على أن مكتب الاتصال الذي سيتم إنشاؤه في الأردن ليس له علاقة بالصراع في غزة. وفي ذلك، قال جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، إن قرار فتح مكتب الاتصال “كان مخططاً له منذ فترة طويلة بما يعني أن الأمر لم يكن رد فعل على الصراعات الحالية”.
وتشير تقارير إلى أن طرح إنشاء مكتب للناتو في عمان يعود إلى يوليو / تموز العام الماضي بما يسبق هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الثاني الماضي وما تلي ذلك من عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة.
بدورها، قالت إيزابيل فيرينفيلز، رئيسة قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في “معهد السياسة الدولية والأمن” ومقره برلين، إن الصراع في غزة ربما أدى إلى تسريع مسار إنشاء مكتب الناتو في عمان. لكنها ورغم ذلك اشارت في مقابلة مع DW إلى أنها لا تعتقد “أن الناتو لديه أي رغبة في الانخراط بالصراع في الشرق الأوسط”.
ويقول خبراء إنه رغم أن المكتب سيكون الأول من نوعه بالشرق الأوسط، إلا أنه لن يمثل أول تواجد للناتو في الشرق الأوسط؛ إذ انخرط الحلف في شراكات عديدة مع دول المنطقة.
بين الرمزية والجدوى الحقيقية
ويرى إتش.إيه هيلر، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن الناتو يعتبر قرار فتح مكتب اتصال في الأردن “بالخطوة الهامة”. وأضاف في مقابلة مع DW أن القرار “يظهر حرص الناتو على التأكيد على أن العالم قد تغير وأنه ملتزم بالانخراط مع الشركاء في الشرق الأوسط. ويعد القرار منطقياً للحلف في ضوء التواجد الروسي بالشرق الأوسط”.
وأشار الخبير إلى أن “الأردن سيلعب دوراً في التعاون المباشر في عدد من مجالات الاهتمام المشترك مثل إدارة الأزمات والأمن السيبراني وتغير المناخ وغيرها”.
من جانبه، قالت إيزابيل فيرينفيلز وجوناثان بانيكوف إن دول المنطقة يتعين أن تنظر إلى الأمر باعتباره “خطوة رمزية”.
وأشارت إيزابيل فيرينفيلز إلى أن الأردن “بلد محايد إلى حد ما في العالم العربي. لذا أعتقد أن السؤال الملح الآن يجب أن يكون مفاده: كيف سيكون حجم دور المكتب بمرور الوقت؟ وإلى أي مدى سيعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى خاصة بلدان شمال أفريقيا؟”.
وسلطت الباحثة الضوء على حقيقة أن الدول التي لا تريد أن يُنظر إليها على أنها قريبة من الناتو، تولي أهمية لمجالات التعاون مع الحلف. وقالت إن “شعوب المنطقة بشكل عام لا تحب حلف شمال الأطلسي لأنهم يربطونه بالتدخلات في الماضي، لكن في الوقت نفسه، أعتقد أن النخب [الحاكمة في هذه البلدان] تهتم بأمور تتعلق بزيادة احترافية جيوشها”.
وكان تقرير خبراء صدر في مايو/أيار الماضي قد ذكر أن كافة دول شرق الأوسط ترفض أي تدخل عسكري مباشر من حلف شمال الأطلسي، لكنه أشار إلى أن الحلف يمكنه تعزيز شركاته في المنطقة من خلال تحسين الأمن البحري والمساعدة في الحد من الأسلحة ودعم جهود مواجهة تغير المناخ والأزمات الأخرى.
ورغم الانتقادات التي طالت الأردن لموافقته على فتح مكتب اتصال للناتو على أرضيها، إلا أن جوناثان بانيكوف يستعبد أي خطر قد يزعزع استقرار البلاد يكون مصدره المكتب. وقال “واجه الأردن على مدى السنوات الماضية ضغوطات جسيمة أمنية واقتصادية وسياسية، لذا فإن أي زيادة في حجم هذه الضغوط سوف تشكل تهديداً أكبر من مجرد خطوة تعزيز التعاون مع الناتو المتمثلة في فتح مكتب اتصال”.
أعده للعربية: محمد فرحان