ثقافة وفن

عندما تخدم الموسيقى قضية ما

ترجمة: عدوية الهلالي
يمكن للموسيقى، باعتبارها حافزًا للتغيير الاجتماعي والإنساني والسياسي، أن تكون أكثر من مجرد وسيلة ترفيه بسيطة. فمن حقبة الأغاني الاحتجاجية في الستينيات والسبعينيات إلى الحفلات الخيرية الكبرى في الثمانينيات والتسعينيات،وحتى اليوم، ومن خلال مبادرات مثل مبادرة عمر حرفوش، عازف البيانو ورجل الأعمال الفرنسي اللبناني، تستمر الموسيقى في لعب دور حاسم في تعزيز حقوق الإنسان والقضايا الاجتماعية.
يستخدم عمر حرفوش، المعروف بمؤلفاته الملتزمة، موسيقاه لرفع مستوى الوعي العام بالمظالم الاجتماعية والسياسية. وحفلاته من أجل السلام، المقررة في باريس وجنيف يومي 18 و20 ايلول 2024، هي مثال بليغ. وفي باريس، سيعزف في مسرح الشانزليزيه، وهو مكان غارق في التاريخ، لإرسال رسالة أخوة وتسامح. وفي جنيف، سيقيم حفله الموسيقي في الأمم المتحدة باليوم العالمي للسلام، مع تسليط الضوء على دور الموسيقى في تعزيز حقوق الإنسان.
إن تأثير الموسيقى على القضايا الإنسانية ليس ظاهرة حديثة. كانت الحفلة الموسيقية لبنغلاديش عام 1971، التي نظمها جورج هاريسون ورافي شانكار، واحدة من أولى الأحداث الخيرية الكبرى في تاريخ الموسيقى. لقد جمعت الأموال وركزت الاهتمام العالمي على الأزمة الإنسانية للاجئين البنغلاديشيين. وعلى نحو مماثل، نجحت حملة “المساعدات الحية” عام 1985، التي نظمها بوب جيلدوف وميدجي أور، في جمع الملايين من البشر معاً لمحاربة المجاعة في إثيوبيا. ولم يحقق هذا الحدث أكثر من 70 مليون دولار فحسب، بل أدى أيضًا إلى زيادة الوعي العالمي بأزمة إنسانية كبرى.
الموسيقى والحركات الاجتماعية
شهدت الستينيات ظهور الأغاني الاحتجاجية كأدوات قوية للتغيير الاجتماعي فقد استخدم فنانون مثل بوب ديلان وجوان بايز ونينا سيمون أغانيهم لمعارضة الحرب والفصل العنصري وعدم المساواة العرقية. ولعبت هذه الأغاني دورًا رئيسيًا في حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، حيث أعطت صوتًا للمضطهدين وألهمت الملايين للتعبئة من أجل العدالة الاجتماعية.
وفي الآونة الأخيرة، تعمل مهرجانات مثل مهرجان المواطن العالمي على حشد الفنانين والمشاهدين حول القضايا الإنسانية. ومنذ عام 2012، لفت هذا المهرجان الانتباه إلى قضايا مثل الفقر والتعليم وتغير المناخ، مما يدل على قوة الموسيقى في توحيد الناس في العمل الجماعي من أجل الصالح العام.
التأثير الرمزي للحفلات الموسيقية من أجل السلام
وبعيدًا عن قيمتها الفنية، تتمتع حفلات السلام بأهمية رمزية قوية. إنها تجذب انتباه الشخصيات المؤثرة، وتزيد من الوعي وتحشد الموارد لقضايا مهمة. وفي شباط 2024، قدم عمر حرفوش حفله من أجل السلام في معهد العالم العربي، بمصاحبة أوركسترا عالمية. وجمع هذا الحفل موسيقيين من جميع أنحاء العالم لنقل رسالة قوية لشخصيات بارزة، مثل جاك لانغ، ووزير الخارجية السابق فيليب دوست بلازي، والإمام حسن شلغومي، ولاعب كرة القدم عادل رامي. ومن خلال ملامسة مشاعر هؤلاء المتفرجين المؤثرين بشكل مباشر، عزز الحدث التفاهم والتعاطف، مما يسهل اتخاذ الإجراءات اللازمة.
وبعد حفله أمام المفوضية الأوروبية في كانون الاول 2023، سيكون أداء عمر حرفوش المرتقب في الأمم المتحدة بجنيف بدوره عملا رمزيا، يدعو إلى قيم الحوار والتعاون الدولي.ويقول حرفوش: “الموسيقى لغة عالمية يمكنها أن تمس قلب الجميع، بغض النظر عن لغتهم أو ثقافتهم”. “إن لديها القدرة على تغيير العقليات وإنشاء الجسور بين الناس. “
وبهذا المعنى، فإن كونشرتو السلام، أكثر من كونه عرضًا موسيقيًا، فهو بمثابة دعوة للمصالحة. ومن خلال اختيار أماكن رمزية ومعالجة موضوعات عالمية، يوضح حرفوش أن الموسيقى يمكن أن تخدم السلام. ويدعونا من خلال ملاحظاته إلى تصور عالم يكون فيه التسامح والأخوة الأسبقية على الصراع. وهي جزء من تقليد ينظر إلى الموسيقى كأداة قوية للتحول الاجتماعي، قادرة على إلهام التغيير الحقيقي والدائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى