بعد أعمال الشغب العنصرية.. شباب في بريطانيا يريدون التغيير – DW – 2024/8/14
كان من المفترض أن تكون مباراة كرة سلة عادية تقام بعد ظهر يوم السبت كالمعتاد. ولكن عندما خرج كالوم البالغ من العمر 18 عاماً وبلايز البالغ من العمر 15 عاماً من التدريب بنهاية الأسبوع الماضي في مدينة ليفربول، شاهدا أمامهما رجالاً يرتدون أقنعة يركضون في الشوارع.
ويحكي بلايز في حوار مع DW: “لم نعرف إلى أين نذهب. لم نعرف كيف نعود إلى المنزل. ثم رأينا طائرة هليكوبتر تحلق فوقنا”. ويضيف بلايز: “انتهى بنا الأمر بالذهاب إلى المحطة، ولكننا لم نرغب في ركوب القطار بسبب رجل هناك كان يحدق بنا. كدنا أن نسير وسط كل ذلك في محاولة للهرب”.
ما شاهده الشابان كان مشهدا من أعمال الشغب اليمينية المتطرفةالتي هزت جميع أنحاء المملكة المتحدة في الأسابيع التي تلت انتشار مزاعم كاذبة على الإنترنت بأن مرتكب هجوم الطعن الجماعي في ساوثبورت في 29 يوليو كان مهاجرًا مسلمًا.
ما حدث يعتبر الاضطرابات المدنية الأكثر انتشارًا في المملكة المتحدة منذ عقد من الزمن، إذ تم استهداف المساجد ومراكز دعم المهاجرين وسط اشتباكات عنيفة مع الشرطة.
اضطر كالوم وزميله بلايز في النهاية إلى اللجوء لأحد المطاعم في المنطقة والانتظار هناك لحين العثور على سيارة عبر أحد التطبيقات. ويقول كالوم: ”كان الأمر مخيفاً. بصراحة كنت خائفاً، ولم أرَ بعض أصدقائي خائفين إلى هذا الحد من قبل. لم يكن الوضع آمنًا حقًا في المدينة. كنت أشاهد مقاطع فيديو لأشخاص يتعرضون للهجوم، وضباط شرطة ومدنيون في المحلات التجارية يهتمون بشؤونهم الخاصة”.
العنصرية تتصاعد
ويقول كالوم، الذي نشأ بالقرب من ليفربول من أم إنجليزية وأب نيجيري، أنه عانى من العنصرية طوال حياته لكن الأسبوعين الماضيين كانا مختلفين حيث يقول: ”في الواقع لم أكن أعتقد أن هناك الكثيرين حولي ممن يشعرون بهذه الطريقة. لذلك من المخيف جدًا التفكير في أنك تصادف كل يوم أشخاصًا لديهم هذا الرأي حقًا”.
ويتعجب الشاب البريطاني من وقوع هذا النوع من أعمال الشغب ”في عام 2024 مقارنة بعقود ماضية”، على حد تعبيره، لكنه يعتقد أن الناس لديهم الجرأة حاليًا للتعبير عن المزيد من الآراء المعادية للمهاجرين.
من ناحية أخرى، شارك الآلاف منذ عطلة نهاية الأسبوع الماضي في جميع أنحاء المملكة المتحدة في مسيرات مناهضة للعنصرية، كما تم اعتقال المئات من مثيري الشغب.
وفي محكمة التاج البريطاني في ليفربول، أقرّ العديد من الأشخاص، بما فيهم مراهقين، بارتكاب أعمال عنف وإثارة الشغب.
مراهقون في مواجهة اتهامات بإثارة الشغب
وتعتقد لاعبة كرة السلة البريطانية بيناه، والبالغة من العمر خمسة عشر عامًا، أن بعض زملائها في المدرسة متورطين فيما حدث. وتقول بيناه لـ DW: ”أعتقد أن الأمر صبياني حقًا ولا يبدو منطقيًا بالنسبة لي. لا أرى ضرورة للقيام بكل هذا. يعتقد البعض منهم أنه من المضحك أن يفعلوا ذلك: حرق الأشياء وأن يكونوا عنصريين. إنهم لا يرون كيف يؤثر ذلك على الآخرين”.
أما بلايز، فيرى أن الكثيرين انغمسوا في اللحظة الراهنة حيث يقول: ”يمكنني القول أن 95 بالمئة من الأشخاص هناك على الأرجح إذا سألتهم بصدق لماذا أنتم هنا، فلن يعرفوا. إنهم هناك فقط لأنهم مضللون بالمعلومات التي تراها على الإنترنت. كما أنهم قادرون على الذهاب لتحطيم الأشياء”.
وبالنسبة لكالوم، فهو لا يشعر بأي تعاطف مع مثيري الشغب ويعتقد أن عدم المساواة جزء من المشكلة حيث يقول: ”أشعر أن الناس ينظرون إلى المملكة المتحدة على أنها مكان غني جداً كملعقة مصنوعة من الفضة. لكن هناك الكثير من الناس وأجزاء مختلفة من البلاد، كمناطق معينة في ليفربول ولندن ومانشستر وبرمنغهام، لا يحصلون على ما تحصل عليه أماكن أخرى”.
هل توفير المزيد من الفرص للمراهقين هو الحل؟
لا يشعر والد بلايز المتخصص في تدريب المراهقين، إميل كولمان، بالدهشة من تورط الكثير من الشباب المحليين في أنشطة إجرامية لأنهم ”ليس لديهم ما يخسرونه”، على حد تعبيره. ويقول كولمان: ”عندما تتعامل مع بعض هؤلاء الأطفال، يبدو في أعينهم وكأنهم موتى. إن استخدام الكيتامين هائل بين الشباب هنا في ليفربول. إنه بمثابة المخدر المفضل لديهم، إلى جانب تدخين الحشيش. لم يعد لديهم أي خوف”.
وكان كولمان قد أسس برنامج لكرة السلة أطلق عليه اسم Toxteth El8te، بهدف إبعاد الأطفال عن الشارع وتشجعيهم على ممارسة الرياضة. وبفضل تمويل إضافي حصل عليه من الشرطة وشبكة محلية للوقاية من العنف، نظم كولمان تدريبًا مجانيًا لأكثر من 3000 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 6 و25 عامًا منذ شهر سبتمبر الماضي.
الأطفال يخشون الخروج للشارع
ويحكي كولمان أن في ليلة وقوع أعمال الشغب، كان هناك عدد قليل من الأماكن المفتوحة للمراهقين للتسكع أو اللعب. ولهذا يؤمن كولمان أن هذا النوع من البرامج، كبرنامج التدريب على كلة السلة، هي جزء من “الترياق” للانقسامات التي ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة في المجتمع، والتي تغذيها التكنولوجيا الرقمية.
ويقول كولمان: ”لدينا أشخاص من جميع أنحاء العالم. من البرازيل والكونغو والكاميرون ونيجيريا والسودان وأستراليا وإثيوبيا وكينيا وهونغ كونغ والهند… إنها مثل الأمم المتحدة”.
ويتحمل كولمان حاليًا بشكل شخصي نفقات توفير سيارات أجرة خاصة لبعض اللاعبين من الأقليات العرقية الذين لا يشعرون بالأمان بعد أعمال الشغب الأخيرة.
بيناه هي واحدة من هؤلاء حيث تقول: ”عادة ما أستقل الحافلة للوصول إلى هناك (مكان التدريب)، وكنت أشعر بالقلق. وبمجرد أن أصل، أشعر بالأمان والحرية”.
بوادر المصالحة؟!
بعد مرور أسبوع على أعمال الشغب، يسود الهدوء الآن مدينة ليفربول. ووسط هذا الهدوء الذي يكاد أن يكون مخيفًا ظهرت بعض علامات التغيير الإيجابي، إذ نظم أحد المساجد المحلية يومًا مفتوحًا ودعا أولئك الذين شاركوا بالمسيرات المناهضة للهجرة للحضور وطرح أسئلة عن الإسلام.
كما يقوم واحد من المؤثرين المحليين، والذي شارك في المسيرات قبل أن تتحول إلى أعمال شغب، بالعمل حاليًا ضد انتشار العنف حيث نظم مبادرة تحت اسم ”التخلص من السموم الرقمية”. وتحاول المبادرة المحلية توفير حافلات تنقل الأطفال والمراهقين للخروج في نزهة في الريف الويلزي دون السماح لهم باستخدام الهواتف. ووجهت المبادرة دعوة خاصة للعائلات المسلمة للمشاركة.
”علينا التعامل مع الأمر كأصحاب بشرة سوداء”
في الوقت الراهن، لا يزال لاعبو كرة السلة من المراهقين غير متأكدين مما إذا كانت الأمور ستتغير إلى الأفضل.
وقرر بلايز الانتقال قريباً إلى إسبانيا لبدء تدريب مكثف هناك في كرة السلة حيث يقول: ”من أكبر أسباب ارتياحي أنني قادر على مغادرة البلاد”.
أما كالوم، فيخطط للبقاء في بريطانيا وبدء دراسة القانون بالجامعة في وقت لاحق من هذا العام حيث يحلم بالمساعدة في مكافحة الظلم العنصري على المدى الطويل. ويقول كالوم: ”تنتقل العنصرية عبر الأجيال. لقد مرت سنوات ولا أعتقد أنها ستنتهي. لا أعتقد أن هناك أي حل حقيقي. علينا فقط أن نتعامل مع الأمر كأصحاب بشرة سوداء وآسيويين وأقليات عرقية أخرى”.
وبالنسبة لبيناه، فهي تريد مواصلة لعب كرة السلة واستئناف دراستها حيث تقول: ”آمل فقط أن يعود كل شيء إلى طبيعته وأن يعم السلام والحب في كل مكان مرة أخرى”.
أعدته للعربية: دينا البسنلي