(الاستفزاز) مفتاحا في بناء التجربة الفنية
خالد خضير الصالحي
يتخذ حيدر السعد (الاستفزاز) مفتاحا في بناء تجربة معرضه (ZION) الذي اقامه في جاليري حامد سعيد اوائل اكتوبر 2024، فهو يستفز المتلقي بدءا من عنوانه (الصهيونية) الذي يفترض به ان يخلق احتمالا اكثر احتمالا بان يكون المعرض من نمط اعمال البوستر السياسي كما درج النظام السابق على اقامة معارضه ضد الصهيونية في السبعينيات بغض النظر عن كيفية المعالجة المادية للبوستر السياسي التي قد تقترب من تقنيات اللوحة أحيانا.
لقد تجسدت اهم وسائل الاستفزاز في هيمنة اليات التشاكل الصوري المتطرفة، وهي نمط استعاري يقارب الاستعارات الشعرية للسورياليين عبر توليف اجناس حيوانية غرائبية اهمها الجمع بين راس الديك وجسد الكلب، وهي كائنات متنافرة تتواشج لخلق احساس بالتناشز في العلاقات البصرية، وهو تناشز يعتقد الرسام ان وجوده يعطي الاحساس الضروري بموضوع المعرض، فتتواشج هذه الكائنات، وتتواشج العديد من الشخصيات؛ لتؤلف ثنائيات تتكرر في اعمال المعرض العشرة؛ لذلك فان المعرض يبدو وكأنه غير مصمم ليُعرض كأعمال منفردة انما كانت اعمال المعرض مصممة لتؤلف وحدات سردية تشكل فيها كل لوحة اضافة مهمة وضرورية للوحة الأخرى، فتشكل ما يشبه المشهد المتكامل، الذي تفتقر كل لوحة منفردة الى تقديمه.
يعمل السرد في الفن التشكيلي عمل الروابط السردية في الشعر، فالسرد يضمن مشاركة القارئ من خلال استدعاء المعارف الخارجية بشكل يماثل، في خطورته، ما ذكره كلايف بل في كتابه (الفن) عندما يتم استدعاء الخارجي من اجل تلقي العمل الفني عبر السرديات التي تقبع في ذهن القارئ لذلك تكون اهم مهمة للسرد هي ضمان مشاركة القارئ في صنع دلالات اللوحة عبر استدعاء ما يختزنه المتلقي من معارف في ذهنه، ولكن توظيف السرد بالمعنى السياسي هو منزلق خطير في بناء اللوحة، وفي بناء التجربة، كون المسافة المتبقية بين اللوحة والبوستر السياسي تصير ضيقة جدا، وتحتاج الى حذر شديد ابداه الرسام حيدر السعد في بناء لوحة، رغم ان عنوانها، وعنوان المعرض، كان يشكل موجِّها سرديا قرائيا واضحا؛ فاجد ان لوحته مكتظة ومتمكنة من ناحية الاشتغال المادي فيها، وهو ما يشكل ضمانة مهمة لعدم الانزلاق، لا في سرديات ادبية او صحفية تقع خارج مادية العمل الفني ولا في انتاج بوسترات إعلانية، كما كانت معارض السبعينات الموجهة ضد الصهيونية.
ان ما يسميه الفنان أسامة حمدي (طاقة الرسم) التي يتوفر عليها حيدر السعد والتي هي خلطة متوازنة براينا، وصفقة مبرمة بين الرسام وبين نفسه كما يؤكد حمدي، يختلط فيها الرسم والسياسة والتصوف، وتكون الهيمنة فيها لفعل الرسم الذي يمكنه توظيف كل ما توصل اليه فن الرسم، وبذلك يحتل حيدر السعد الان او سيحتل الان موقعا مهما في خارطة الرسم التشكيلي في البصرة.
وان انغماسَ احمد السعد، في الاحداث اليومية، وفي أحداث غرْة، هو، كما يؤكد الشاعر علي وجيه، “انغماس بالتفكير بما يحدث، ولكنه تفكير الفنّان، الباحث، الحافر. .. وهو يتجاوزُ الموقفَ السياسيّ والأخلاقيّ ولا يقفُ عنده” وهو براينا لا “يقدّم حفراً أنثروبولوجياً في الذات الصهيونية القبيحة، تلك التي تجلّت بمنظومتها الثقافية العنصرية القامعة” كما يقول على وجيه، انما هو سير حرج بين المتطلبات الأساسية واشتراطاتها، وبين أنماط من النتاج التشكيلي المتعلق بالدعايات التي قد يقع فيها فنا البوستر والكاريكاتير، وبذلك يحافظ احمد السعد، كما يؤكد هاشم تايه، على تُجدّد أعماله عبر اللقاء “بالواقعيّة أداءً طليقاً يجنح، حيناً، إلى تعبيريّةٍ ضاجّة تلائم موضوعها العنيف، ويتّسع، حيناً آخر، برحابة شعريّة مدعومة بأشكالٍ من الرّموز الضارية، ولا يهدر هذا الأداء الواقعي، أخيراً، فرصتَهُ في الاستغراق بتأمّل تمثيلاته الشكليّة خارج مدار انشغالها بالإدانة، والتّعريض، والتّهكم”.