قصيدة الرفض العربية مقارنة بنظيرتها العبرية

يتناول كتاب «قصيدة الرفض» الصادر في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة «كتابات نقدية» للناقدة والأكاديمية الدكتورة ناهد راحيل، تجليات شعر الرفض الذي يغرّد خارج السرب في الأدب العربي ومقارنته بنظيره في الأدب العبري من خلال دراسة مقارنة بين كل من الشاعر أمل دنقل والشاعر سامي شالوم شطريت.
ويمكن القول إن الإنجاز الذي يحمله الكتاب هو النظر إلى الشعر العبري المعاصر من زاوية تحليلية مختلفة ترصد اختلاف المضمون والرؤية التي يقدمها شاعر ينحدر من أصول عربية، ويشتبك بحس نقدي مفارق مع كثير من القضايا والمفاهيم السائدة. أما فيما يتعلق بأمل دنقل، فلا يكاد يأتي الكتاب بجديد يصنع الفارق في تناول تجربة ضخمة وعميقة ومؤثرة مثل تجربة دنقل، من هذا المنظور.
تشير المؤلفة في البداية إلى أن الرفض لدى الشاعر سامي شالوم شطريت موجّه ضد السلطة التي تتمثل لديه في «الصهيونية»، سواء بصفتها فكرة أطلقها يهود أوروبا لتصبح بمثابة «ديانة» تحمل نبوءة «أرض الميعاد»، أو من خلال رفضه محاولات المؤسسة الصهيونية طمس هوية اليهود الشرقيين ومحوها وإرغامهم على تبني الهوية الغربية.
وتعبر قصائد شطريت عن اعتقاده بأن أتباع الصهيونية الأشكنازية «الغربية» وقادتها لم يكونوا بعيدين عن مشاعر التملك التي انتابت أبناء شعوب أوروبا في نظرتهم إلى بقية شعوب العالم، فعندما نظر يهود أوروبا إلى أفريقيا والشرق الأوسط لم يفرّقوا بين المسلمين واليهود، فكان الجميع في نظرهم «برابرة» مثلما وصفهم هرتزل وطلب أن يتم بناء «درع» من أجل حماية العالم الأوروبي المتمدن منهم.
ويؤكد شطريت في بعض قصائده على رفض اليهود الشرقيين لأي فكر صهيوني، مستدعياً في قصيدته «امرأة مغربية» حاييم نحمان بباليك، وهو أحد الشعراء المعروفين الذين عبَّروا في أشعارهم عن الحركة الصهيونية والدعوة إلى إقامة وطني قومي لليهود، مع وصف أمه مرارا بتعبير «طيَّب الله ذكراها». تحمل القصيدة طابعاً ساخراً، حيث يؤكد شطريت أن شاعرة مغربية يهودية لم تسمع يوماً باسم «بباليك» في إشارة إلى موقف اليهود المشارقة مما يحمله نظراؤهم الغربيون من أفكار متطرفة.
يقول مطلع قصيدة «امرأة مغربية»:
«أعرف شاعرة
امرأة مغربية
لا تعرف بباليك
ولا تعرف أمه «طيَّب الله ذكراها»
وفي إطار الخلط بين مصطلحي «يهودي» و«صهيوني»، يحرص الشاعر العبري على توضيح اختلاف المفهومين، فليس كل يهودي صهيونياً وليس كل صهيوني يهودياً كذلك. ومن ثم يرفض شطريت في قصيدته «لوحة بلا جدار» الخلط بين المفهومين، مؤكداً أن هناك قطاعاً عريضاً من اليهود لا يؤمنون بالصهيونية:
«كيف تستطيع أن تواصل الإصرار على الانتماء إلى اليهود؟
ضحكت له
ماذا تعني… كيف؟
أنا يهودي ولا أعرف أن أكون شيئاً آخر
أية وقاحة، أنا يهودي، لست صهيونياً
لكنني يهودي منذ نعومة أظافر
الإنسان المغربي بداخلي»
وتؤكد قصيدة «بعد الأوبرا» على رفض اليهود الشرقيين محاولات المؤسسات المختلفة لطمس هويتهم الأصلية وصبغها بصبغة أخرى ذات طابع أوروبي أشكنازي:
«بعد الأوبرا
سيفك رابطة العنق
ويغطي جسده جلباب
من صنع فنان «وارد من المغرب»
ثم سيغسل أذنيه
بتدفق لذيذ لأنغام العود»
يتجلى صراع الهوية هنا بين دار الأوبرا ورابطة العنق باعتبارهما ترمزان إلى الغرب من جانب، وبين الجلباب والعود باعتبارهما ترمزان إلى الشرق من جانب آخر. ويبدو اليهودي الشرقي هنا متمسكاً بهويته حريصاً عليها، يتوق سريعاً إلى التحرر من مفردات غربية مفروضة عليه، ولا يجد راحته سوى في التعامل وفق ثقافته الشرقية.
