عام على حكومة السوداني.. سجل مختلط بين النجاحات والإخفاقات
وفي تقرير مطول من المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، لمناسبة مرور عام على تولي السوداني رئاسة الحكومة، قال التقرير ان الميزانية غير المسبوقة التي قدمها للعام 2023-2024، لم يتم فيها تخصيص سوى 38 مليار دولار فقط للاستثمار التنموي، وهو خلل انتقده العديد من المراقبين، مضيفا انه من اجل مواجهة البطالة بشكل سريع، تمت اضافة ما يصل الى 600 الف وظيفة حكومية الى الرواتب الحكومية المتضخمة بالفعل، وهو ما يمثل خطوة شعبوية واضحة لكسب استحسان الرأي العام وتجنب تجدد الاحتجاجات.
وبالإضافة إلى ذلك، أشرف السوداني على توسيع شبكة الرعاية الاجتماعية لتشمل مئات الآلاف من الأسر والأشخاص المحتاجين، ودفع وزارة الصحة إلى تطوير الخدمات في القطاع الصحي المتدهور، كما أطلقت الحكومة مشاريع الطرق والطرق السريعة التي يمكن الانتهاء منها بسرعة.
ومع ذلك، اعتبر التقرير أن ذلك يظل بمثابة حلول قصيرة المدى لمشكلات اقتصادية عميقة، مثل مساهمة القطاع الخاص الضئيلة في الناتج المحلي الإجمالي، والاعتماد الكبير على المواد الهيدروكربونية والواردات، إلى جانب الاعتماد شبه الكامل على الحكومة باعتبارها ربة العمل للتوظيف، والبيروقراطية والمصالح السياسية الراسخة التي تعرقل التقدم في الإصلاح الاقتصادي الضروري.
ولفت التقرير الى اهمية جهد السوداني من اجل استقطاب الاستثمارات الخارجية بما في ذلك من خلال مشروع “توتال اينيرجيز” ومشروع “طريق التنمية”، لكنها اشار الى ان الرغبة الأجنبية في الاستثمار في صناعات مثل المشاريع الزراعية أو التصنيع، محدودة، مضيفا أن الروتين والفساد، والمناخ القانوني الغامض واضطراب الأمن، تشكل كلها عوائق. كما لفت إلى أنه رغم التدابير المصرفية المتعددة، وبعضها تحت ضغط من وزارة الخزانة الامريكية، فان تهريب الدولار لا يزال مستمرا بشكل كبير.
وتطرق التقرير إلى أولوية السوداني الاولى والمتعلقة بمكافحة “جائحة” الفساد، موضحا ان الانجاز بهذا الميدان ليس مكتملا، وأنه برغم عدة إدانات بتهم الفساد، فإن بعضها قد يكون بدوافع سياسية لحكام محافظات سابقين ومسؤولين متوسطي المستوى وغيرهم، مضيفا ان حملة السوداني لمكافحة الفساد فشلت في استهداف الأحزاب السياسية القوية والأشخاص الذين يحرضون ويستفيدون بتوفير الغطاء الآمن للفساد، بما في ذلك ما يتعلق بـ”سرقة القرن” التي حولها بأن مثل هذه السرقة الضخمة لم تكن لتحدث دون مشاركة الأحزاب السياسية والسياسيين المتنفذين، لكن لم يتم تسمية أي منهم او اتهامهم، وهو ما جعل المواطنين يشككون بارادة الحكومة او قدرتها على وقف هذه الجائحة.
السياسة الخارجية المقيدة
وذكر التقرير أن الفجوة نفسها قائمة بين أهداف السوداني وبين الواقع السياسي الذي يمنعه من تحقيقها، والذي يظهر من خلال العلاقات مع الجيران العرب، حيث نجح السوداني في دفع الخطوات التي اتخذها سلفه مصطفى الكاظمي لتعزيز العلاقات الاقتصادية والامنية مع هؤلاء الجيران، بما في ذلك الأردن ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، وكان الرئيسي هو تحسين تأمين الطاقة الكهربائية وتنويع مصادر الغاز والوقود بعيدا عن الاعتماد على إيران.
لكن التقرير اشار الى ان التقارب مع الدول العربية لا يحظى بالترحيب من جانب بعض الأحزاب السياسية الشيعية وأعضاء الحشد الشعبي، الصديقة لإيران.
واضاف انه “من المؤكد أن الانفراج بين السعودية وإيران قد سهل على السوداني التودد الى دول مجلس التعاون الخليجي، لكن الشكوك لا تزال قائمة”. وفي هذا الإطار، ذكر التقرير بانتقاد حركة النجباء لخطة بناء خط أنابيب النفط المقترح منذ فترة طويلة بين البصرة والعقبة في الأردن.
كما ذكر بانتقادات نواب قوى الإطار التنسيقي لاتفاقية العام 2012 مع الكويت بشأن ممر خور عبدالله المائي، وبقرار المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الاتفاقية وبطلانها، وهو ما أدى إلى اثارة رد الفعل العنيف من الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، وتضر بالعلاقات التي تمت رعايتها بعناية مع العراق.
وتابع التقرير أنه بينما كان السوداني في خطابه أمام الأمم المتحدة يؤكد تصميم العراق على الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة ومتوازنة، والحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الدول، فان وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للميليشيات الشيعية كانت تندد بوجود الولايات المتحدة وحلف الناتو في العراق باعتباره شكلا من أشكال الاحتلال.
خلل سياسي بلا نهاية
وفي هذا الإطار، يقول التقرير إن هذا الارتباك في الرسائل يطرح سؤالا أوسع حول حرية السوداني في متابعة أجندته.
واضاف انه “ما يثير إحباط السنة والكورد هو أن رئيس الوزراء لم يتمكن، او ربما لم يكن راغبا في تلبية المطالب المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الذي يدعم ائتلاف ادارة الدولة وتشكيل الحكومة الحالية، والذي ينص على مطلب كردي رئيسي وهو التفاوض والموافقة على قانون الغاز والنفط خلال ستة أشهر”، مضيفا انه مع بحلول نهاية السنة الأولى من ولاية السوداني، لا يزال القانون معطلا ولا تزال الخلافات بين بغداد واربيل قائمة.
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى أنه لم يتم تنفيذ لا مطالب السنة بعودة النازحين داخليا الى مناطقهم الاصلية في غضون 6 أشهر، ولا قانون العفو الذي طالب به السنة.
وتابع التقرير؛ أن السوداني لم يتمكن من إعادة نشر الوحدات شبه العسكرية (الميليشيات) خارج المناطق الحضرية، كما هو منصوص عليه في الاتفاق، والحد من أنشطتها على مهمات الدفاع الوطني تحت سلطته كقائد أعلى للقوات المسلحة.
وتحدث التقرير عن استخدام أحزاب الإطار التنسيقي أساليب العرقلة لتعزيز سلطتها على شركائها المفترضين من السنة والكرد، مثل الحملة لتشويه سمعة رئيس البرلمان الحلبوسي للإطاحة به، ومهاجمتهم المصالح الكردية الحيوية، واشادتهم أو تحريضهم لصدور الحكمين من جانب المحكمة الاتحادية العليا اللذين ساهما في إغلاق قطاع النفط التابع لحكومة اقليم كردستان وعرقلة الإيرادات الكردية.
واعتبر التقرير أن السوداني لم يفعل أي شيء خلال العام الماضي من أجل وضع الميليشيات المسلحة تحت سيطرة الدولة، مثلما وعد في برنامجه السياسي، مضيفا ان مسالة من يسيطر على السياسة وصنع القرار وصلت إلى ذروتها خلال الحرب الحالية على غزة، من خلال التباين في مواقف السوداني من الحرب، ومواقف الميليشيات التي استهدفت المواقع الامريكية في العراق، بل أنها صعدت من هجماتها بعدما قال المتحدث العسكري باسم السوداني أن السلطات ستلاحق الجناة.
ولهذا، رأى التقرير انه من المؤكد أن عدم الاستقرار الأمني والسياسي هذا، والضباب الحقيقي لعدم اليقين، سيؤدي الى تقويض ما كان السوداني يعتزم القيام به قبل اثني عشر شهرا.
وبعدما لفت التقرير الى الانتخابات المحلية المقررة في 18 كانون الأول/ديسمبر المقبل، خلص الى القول ان قدرة السوداني على المناورة بين الفصائل، كما يفعل الآن، قد تكون مقيدة بشكل أكبر، مضيفا أن “ما يثير القلق بنفس القدر بالنسبة لرئيس الوزراء، أن نتائج الانتخابات المحلية من المرجح أن تحدد نتيجة الانتخابات البرلمانية في العام 2025 ومستقبله السياسي”.
ولهذا، قال التقرير إنه من المرجح أن تكون فترة ما بعد انتخابات المحافظات بمثابة “محك لحنكة السوداني السياسية وتصميمه، بالاضافة الى انها لحظة مهمة في تاريخ البلد في تعامله مع المصاعب التي تواجه برنامجه الحكومي الطموح والمتعدد الجوانب”.