خطر الأفاعي المميتة في العراق.. قتل عشوائي يهدّد البيئة
يرتدي، حسين المنشداوي، “جزمة” برأس صلب وعنق طويل نسبياً كلما خرج في مشوار ما، في أرضه الزراعية بمنطقة سيد دخيل، في محافظة ذي قار جنوبي العراق.
المنشداوي لا يرتدي الجزمة بسبب الطين أو أشواك الأدغال التي يزيحها يومياً، وإنما خوفاً من كائن صغير، وخطر للغاية، يعيش في أرضه.
هذا الكائن هو أفعى الحراشف المنشارية، التي تعرف في العراق بأفعى “سيد دخيل” بسبب كثرة ضحاياها في هذه المنطقة وانتشارها الكبير بها من أخطر أفاعي العالم.
ويقول حسين لموقع “الحرة” إن ابن عمه لُدغ من هذه الأفعى العام الماضي و “بدأ ينزف الدم من عينيه وأنفه” قبل أن يتلقى المصل في مستوصف القرية القريب.
وقبل عام 2017، كانت الأفعى تقتل سنوياً نحو خمسة أو ستة أشخاص من هذه القرية، قبل أن يحصل مستوصفها على مصل نجح في إيقاف الوفيات بها منذ عام ونصف.
وفي ليل الصيف، حيث يسمر الفلاحون مستمتعين بالهواء العليل القادم من بساتينهم، تتجول هذه الأفعى التي يميزها شكل الصليب على رأسها لتبحث عن غذائها، ويؤدي “سوء الفهم” كما يقول الخبير البيئي سمير مرتضى إلى مواجهات “مميتة” بين الطرفين.
ومنذ ذلك الوقت، اقتصر ضحايا المواجهات بين الطرفين على الأفاعي، بعد أن نجحت الأمصال بإيقاف وفيات اللدغات في هذه المنطقة.
ويقول مرتضى إن الفلاحين يقتلون العشرات من هذه الأفاعي سنوياً خوفاً من لدغاتها القاتلة التي “تحمل ألماً رهيباً” أو “تقتل بسرعة” في بعض الأحيان.
وبسبب الخوف من أفعى سيد دخيل، يقتل الفلاحون هناك أنواعاً أخرى من الأفاعي بعضها غير سام، كما يقول مرتضى مثل “أفعى الأرقم الجملي، أفعى البوا الأوروبية، وأفعى العربيد الأسود”.
ويضيف مرتضى “هذه الأفاعي مفيدة جدا للبيئة وغير سامة إطلاقاً، فهي تقضي على الآفات الزراعية مثل الفئران والجرذان وتسيطر على أعدادها، لكن الفلاحين يقتلونها بكثرة”.
وبالنسبة للبعض، صار صيد الأفاعي “مهنتهم” التي يعتاشون عليها في الصيف، مثل جعفر الموسوي الذي يقوم بملاحقة الأفاعي وقتلها بمجرفة طويلة يحملها معه.
يمنح الأهالي جعفر ألفي دينار (نحو دولار ونصف) مقابل كل أفعى يقتلها، وتصل حصيلته اليومية إلى عشرين ألف دينار أحياناً، ما يعني أنه يقتل عشرة أفاع في اليوم الواحد في بعض المرّات.
ويقول الخبير مرتضى إنه “يحاول دفع أناس مثل جعفر إلى التفريق بين الأفاعي السامة وغيرها للحفاظ على البيئة”، لكن “الخوف من شكل الأفعى والأساطير المرتبطة بها يجعل الناس لا تفكر بمنطقية”، مضيفا “تقلص الأراضي الزراعية لصالح المساكن جعل التداخل بين الإنسان والبيئة أكثر وأخطر، والإنسان يفوز على البيئة لكنه يخسر في النهاية”.
ولجأ أحمد سامي، وهو عراقي يطلق على نفسه اسم “هاوي الأفاعي” إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الوعي البيئي بهذا المخلوق “سيئ السمعة”.
ويمتلك أحمد أحد أكبر مجموعات الفيسبوك المتخصصة بشيء واحد فقط، هو الأفاعي العراقية وكيفية تمييز السام من غير السام منها.
وحين دخولك المجموعة، تكتشف حجم المشكلة البيئية التي قد يعاني منها العراق مستقبلاً، فعلى الرغم من توصيات أحمد الكثيرة للأعضاء، لا يزال قتل الأفاعي غير السامة يجري بكثرة.
ويقول أحمد لموقع “الحرة” إن “الجو الحار له علاقة بزيادة ظهور الأفاعي” إذ أنها تبحث عن التبريد وعن الطعام كما تنتهي فترة سبات بعض أجناسها في الصيف.
وكلما ازداد ظهور الأفاعي كلما ازدادت معه المواجهات المميتة، بالنسبة للأفعى، مع البشر.
ويوصي أحمد المتعاملين مع الأفاعي بخمس وصايا هامة، أولها “عدم مسك الأفعى باليد” و “عدم مضايقة الأفعى” و “عدم الحكم على الأفعى من خلال شكلها أو حجمها”، و “عدم قتل الأفعى إلا في حال الضرورة وتركها في الأرض في حال وجدت خارج المنزل”، و”الاهتمام بالتثقيف البيئي”.
ويقول أحد منشورات المجموعة التي يديرها أحمد إن “الأفعى لا تهاجم إلا إذا خافت، لأن البشر ليسوا على قائمة طعامها” لهذا ينصح الناس بالانتباه إلى وجود الأفاعي بدلاً من قتلها.
ويمتلك العراق أنواعاً سامة من الأفاعي منها أفعى الحراشف المنشارية (سيد دخيل) و Walterinnesia aegyptia)الصل الأسود) والكوبرا المصرية والقرناء العربية وحية الأنف المدور (أو الأنف المثلوم) وحية فيليد وأفعى كردستان والأفعى الفارسية ذات الذيل العنكبوتي.
وكل هذه الأفاعي قاتلة، لكنها تنتشر في بيئات مختلفة، إذ ينتشر الصل الأسود والكوبرا في المناطق الصحراوية، ومثلهم القرناء العربية، فيما تنتشر حية الأنف المدور في الأماكن الرطبة، وحية كردستان في الجبال.