المقاهي الشعبية في العمارة ..صراع من اجل البقاء بسلاح الاصالة امام مغريات الحداثة
مازالت المقاهي الشعبية القديمة في مدينة العمارة تصارع من اجل البقاء ، رغم تقادم عمرها وطابعها التراثي البسيط ،ورغم انتشار المقاهي التي تتسم بطابع الحداثة والمغريات التي تقدمها وزيادة الاقبال عليها.
اتسام مقاهي العمارة القديمة بطابعها التقليدي لم يحل دون جمع جيلين من ابناء المدينة الجنوبية التي ازدهرت فيها المقاهي الشعبية منذ زمن طويل ، وما زالت تحافظ بقوة على قيمتها التراثية رغم بقاء عدد محدود منها.
“مقهى شنون” احد تلك المقاهي التي تأسست في العقد الستيني ، وما زال محتفظا بطابعه الذي تأسس عليه .
تأسس المقهى عام 1968 في احد مناطق السوق الكبير في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان ، واطلق عليه اولا اسم مقهى الشرق ، ولكن ابناء المدينة والمرتادين اطلقوا عليه مقهى شنون نسبة الى صاحبه “شنون داغر” .
وكان المقهى وما زال ملتقى لشيوخ العشائر والمتقاعدين بالاضافة الى المثقفين من ابناء المدينة .
وقال صاحب المقهى الحالي :” نحن بدورنا ورثنا المقهى ولم نغير شيئا فيه وما زال يعمل بدون إنترنت او اراجيل”.
عن اصل المقاهي الشعبية يقول الكاتب والمدون الميساني هاشم عبد الله : ” تعد المقاهي الشعبية وافداً عثمانياً غريباً على المجتع العربي الذي يشكل فيه مضيف القبيلة او العشيرة عمود الوسط في حياتهم ، اذ انه / المضيف / يمثل تجمعاً اجتماعياً فيه نكهة قيادية وحكمة لحل المشاكل ومدرسة في احترام النظام وآداب الحديث ” .
واضاف عبدالله :” كانت المضائف خير تجمع للناس سابقاً قبل المقاهي الشعبية ، الا ان المدنية المبكرة للمدن العراقية الكبرى استبدلتها بالمقاهي التي انتشرت لتشكل جزءا من حياة العراقين منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
رواد المقاهي الشعبية الفولكلورية في العمارة اغلبهم من كبار السن ومن الذين دأبوا على التردد على تلك المقاهي منذ زمن.
يقول “ابو سامي” احد رواد مقهى شنون :”الكثير من النخب لها حضورها في المقهى لطرح الافكار والرؤى سيما اوضاع المدينة ومناقشة اهم المستجدات ، على اعتبار ان المقاهي وجدت للقاء الاصدقاء . واغلب تلك المقاهي يرتادها كبار السن والمتقاعدون وحتى المثقفين الذين يجدون فيها متنفساً “.
فيما بين العديد من شباب المدينة الذين يرتادون المقاهي حديثة الطراز (الكوفي شوب) اسباب عدم ارتيادهم المقاهي التراثية .
الشاب حسن جاسم ، بين :” ان الكوفي شوب يقدم العديد من المغريات التي باتت لا تقدمها المقاهي القديمة “.
ومع اقراره بان المقاهي القديمة تشعر مرتاديها بأصالة الانتماء ، الا انه يرى وجود الانترنت والالعاب الاخرى ، بالاضافة الى انواع الاراجيل ، من اسباب جذب الشباب نحو (الكوفيّات) لتترك المقاهي القديمة للباحثين عن الهدوء وتداول الاحاديث.
وعرفت مدينة العمارة في العقود السابقة بتميزها باسماء لامعة من المقاهي الشعبية في مناطقها واحيائها القديمة والتي شهدت زخماً في الاقبال عليها وتميزت بروادها ، كل حسب تخصصه او ميوله ، فمنها مقاه يرتادها الرياضيون واخرى خاصة بالعمال وغيرها .
كما عرفت المدينة العديد من اسماء اصحاب تلك المقاهي التي لا زال ذكرها حاضراً يتردد بين مسامع الناس لتكون شاهداً على مقاه تمتد لعقود وتقاوم الحداثة باصالة الانتماء.