يحتفلون بعيدهم هذه الأيام.. من هم الصابئة المندائيون في العراق؟ وما سر علاقتهم بالماء؟
هذا العيد المسمى أيضا “دهوا ربا” بمثابة انتصار للخير والحق على الشر كما يراه المندائيون.
وبحسب نظريات عديدة، فإن الخالق أمر بتصليب الأرض وتجهيزها للسكن من قبل ذرية آدم، وفي نفس اليوم تم خلق آدم ونفخ الروح فيه، ويستمر الاحتفال به لمدة 36 ساعة، وهي فترة خلق الأرض باعتقادهم، فلا يقوم أحد بلمس شجرة أو حيوان، أو حتى الاختلاط بالمحيط الخارجي، حيث يقوم الصابئة بتخزين الماء والطعام بما يكفي ليوم ونصف اليوم، للاعتكاف داخل المنزل وممارسة الطقوس والتعبد.
يقول رئيس طائفة الصابئة المندائيين الشيخ ستار جبار الحلو أن “هذا العيد هو الثالث من أعيادنا الأربعة الأساسية طوال السنة المندائية، وهي البرونايا (عيد الخليقة) والدهفة ديمانة (يوم التعميد الذهبي) والدهفة ربه (العيد الكبير) والدهفة حنينا (عيد الازدهار)”.
ويرى شيخ المندائيين أن الصابئة هم من أقدم الأديان ولكن بسبب كتابة كتبهم المقدسة بالآرامية وعدم ترجمتها انزووا قرب الأهوار والمياه الجارية لحاجتهم للتطهير، مشيرا إلى أنهم يتحملون هذا الأمر بسبب المفاهيم الخاطئة التي كانت تؤخذ بحق الصابئة حتى تمت ترجمة كتبهم المقدسة، فاستطاع بعض المتشككين فهم أننا موحدون لله.
ديانة قديمة
تعد الطائفة المندائية أو الصابئية من أقدم الأديان في العراق، حيث تمتد بجذورها لأكثر من ألفي عام داخل بلاد الرافدين، وكلمة الصابئة مشتقة من “صبا” بمعنى انغمس أو غطس، فيما تفسر المندائي أو “مندا” بالمعرفة، فيطلق عليهم اسم العارفين بدين الحق أو المتعمدين، وبسبب قدم تاريخهم وتعرضهم لنكبات عديدة على امتداد المراحل الزمنية لا يملك المندائيون تاريخا مدونا للحديث عن ماضيهم، حيث تم إتلاف وحرق مدوناتهم بمرور السنين بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له.
ويسلط رئيس مجلس شؤون الطائفة أكرم سلمان الضوء على تاريخ الصابئة وبدايات وجودهم، ويقول إن “النظريات العديدة تختلف حول أصولنا، ومنها روايات توضح قدوم الصابئة من فلسطين نتيجة تعرضهم للاضطهاد، ونزوحهم إلى حران وجنوب العراق، تحديدا قرب الأهوار، فيما تؤكد روايات أخرى على أن أصل خليقتهم بدأ قرب نهري دجلة والفرات، لارتباط جميع طقوسهم الحياتية بالماء”.
طقوس سرية
ولعدم اختلاطهم بالأقوام والطوائف الأخرى حافظ المندائيون على باطنية وسرية طقوسهم، فاختلفت نتيجة لذلك التفسيرات حولهم، لكنهم يؤكدون دائما إيمانهم بوحدانية الله خالق الأرض والسماوات.
ويرى أكرم أنهم “لا يعتبرون من الديانات التبشيرية، فلا يسمح لأحد بالدخول لدينهم أو الخروج منه إلى دين آخر”، مشيرا إلى أن حفاظهم على أنفسهم جعل دماءهم نقية وغير مختلطة بأديان أو طوائف أخرى، حيث إن اهتمامهم الكبير بالشؤون الدينية عزز وجودهم وعدم انقراضهم رغم قلة عددهم.
ويرى الصابئة أنهم جذر التوحيد الأول، ويعتبرون أن سيدنا آدم هو النبي الأول لهم، وبعده ابنه النبي شيت، إذ إنه يحظى بمكانة كبيرة جدا بين أبناء الطائفة، وذلك لاعتقادهم بأن النفس المتوفاة بأمر الله تقاس بمقياس نبل نفس وروح شيت، فمن حمل روحه الخلاقة دخل الجنة، ومن كانت نفسه أقل خلقا منه فإنه سيبدأ حينها الحساب.
ويذكر أكرم أن للنبي سام فضلا كبيرا على الصابئة بتثبيته كافة الشرائع المندائية الحديثة، ليستطيع من بعده النبي يحيى بن زكريا -وهو آخر أنبياء الصابئة- أن يرسل كافة التعاليم التعميدية، مشيرا إلى أن النبي يحيى استخدم التعميد جزءا أساسيا لطهارة النفس وترسيخ المفاهيم المندائية، ومنه اشتقت راية الدرفش والعلامة الخاصة بهم، والتي تعتبر الرمز الأساسي لهم مع اللباس الأبيض كليا.
ويتبع المندائيون كتاب “كنزا ربا” أو الكنز الكبير، والذي يحوي صحف آدم الأولى وتعاليمه باللغة الآرامية الشرقية التي تعتبر لغة الصابئة، ويحوي الكتاب جزأين، الأول: خاص بالأمور الدنيوية من وصايا وحكم ومفاهيم، والجزء الثاني خاص بالنفس بعد وفاتها ورحلتها من الجسد الفاني إلى أصلها، وهو عالم النور.
التشبث بالطقوس
وتؤكد المديرة العامة السابقة لأوقاف الصابئة المندائيين نادية مغامس أن ما يميز الصابئة عن الطوائف الأخرى هو تشبثهم المتين بطقوسهم منذ أكثر من ألفي عام حتى اليوم، ورغم التغير الذي يطرأ على الأديان بفعل الكتب السماوية فإنهم تمركزوا حول طقوس واحدة لم ولن تتغير.
وترى مغامس -وهي السيدة الأولى في تاريخ العراق ممن يتولى منصبا دينيا- أن الكثير يحملون صورا نمطية خاطئة عن الصابئة ويجب تغييرها، موضحة أن البعض يتهمهم بعبادة الكواكب والنجوم بسبب قبلتهم تجاه القطب الشمالي، أو أنهم يخنقون الحيوانات الميتة ليأكلوها، وغيرها من التفاصيل البعيدة عنهم.
وتوضح أن هذه المفاهيم الخاطئة عرضت الكثير من أبناء الطائفة للتعنيف والاضطهاد على مر الزمن، مشيرة إلى أن كتبهم المقدسة ترجمت إلى العربية لأول مرة في التاريخ قبل 25 عاما بهدف نشر حقيقة المندائيين، ووقف التصرفات غير الإنسانية بحقهم، وإثبات توحيدهم لله وحده.
وللتأكيد على ذلك، تقول مغامس إن أركان المندائيين الخمسة تشبه إلى حد كبير أركان الإسلام، وهي التوحيد بالله وحده لا شريك له، والصلاة بـ5 أوقات، والصدقة، والصوم على جزأين: الصوم الكبير طوال أيام السنة عن النميمة والكره وفعل الكبائر والمعاصي، والصوم الصغير لمدة 36 يوما عن تناول اللحوم ومشتقاتها.
أما الركن الخامس -تتابع مغامس- فهو التعميد الذي يعتبر ركنا أساسيا وولادة جديدة بالنسبة للإنسان، وهو فرض وواجب على الصابئي، ويرمز إلى الارتباط الروحي بين العالمين المادي والروحي، والتقرب من الله من خلال المياه الجارية لأنها ترمز إلى استمرار الحياة.
وتشير في حديثها إلى أن التهميش الذي لحق بهذه الطائفة العريقة بسبب قلة عدد أفرادها جعل الحكومات المتعاقبة في العراق تهملهم دون أن تمنحهم أي نصيب من الخدمات والحقوق.
وأضافت أن “هجرتهم من البلد بدأت منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) لتتصاعد مع الحروب التي تلتها، ولا يمكن إيقاف رحيلهم، وربما يأتي يوم وتنتهي حكايتهم ووجودهم نتيجة الإقصاء والإهمال”.