السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم على إسرائيل
يشكل الخوف من امتلاك إيران سلاحا نوويا أحد أكبر بواعث القلق الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. ولم يعرف منسوب هذا القلق استقرارا على الإطلاق، بل ظل يتأرجح حسب تقلبات السياسة والتطورات الإقليمية والدولية. غير أن تصريحات واردة من طهران بعد الهجوم غير المسبوق على إسرائيل جعلت علامات استفهام ملحة تتراقص مجددا في أذهان العديد من قادة العالم حول إمكانية حيازة إيران لسلاح نووي. ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن قائد كبير بالحرس الثوري الإيراني قوله الخميس إن إيران قد تراجع “عقيدتها النووية” في ظل التهديدات إسرائيلية.
نشرت في:
7 دقائق
يعيد التوتر الجديد في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل ملف السلاح النووي الإيراني المحتمل إلى الواجهة. وفي ظل مخاوف إيرانية من استهدف الجيش الإسرائيلي منشآت نووية في إيران، صدر تصريح من قيادي في الحرس الثوري الإيراني يحذر من أن الجمهورية الإسلامية قد تغير “عقيدتها” النووية في حال تعرض منشآتها النووية للهجوم. وطالما دافعت طهران عن سلمية برنامجها النووي، نافية السعي إلى امتلاك قنبلة ذرية. غير أن الثقة لم تكن يوما حاضرة في أدبيات العلاقة الهشة بين إيران والدول الغربية خاصة الولايات المتحدة المتخوفة من أن تستيقظ ذات صباح متوتر على خبر امتلاك إيران سلاحا نوويا.
وبمرور السنين تتراجع أهمية الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران والقوى الكبرى في 2015 ويصيبه الوهن، فيما تقوم إيران بتوسيع وتسريع برنامجها النووي لتقليل الوقت الذي تحتاجه لصنع قنبلة نووية إذا أرادت، رغم أنها دأبت على نفي ذلك.
وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي أعرب عن “قلقه” من احتمال استهداف إسرائيل المنشآت الإيرانية، مؤكدا أن طهران أغلقت مراكزها النووية الأحد بعد هجومها على إسرائيل “لأسباب أمنية”.
ويرجح خبراء امتلاك إسرائيل أسلحة ذرية، علما بأنها لم تنف أو تؤكد هذا الأمر. في المقابل، تتهم إسرائيل ودول غربية إيران بالسعي الى تطوير سلاح ذري، وهو ما تنفيه طهران على الدوام وتؤكد سلمية برنامجها النووي.
وسبق لإسرائيل استهداف منشآت نووية في منطقة الشرق الأوسط. وأعلنت إسرائيل تدمير مفاعل تموز في العراق عام 1981، وأقرت في 2018 بأنها شنت قبل 11 عاما من ذلك، ضربة جوية استهدفت مفاعلا قيد الإنشاء في أقصى شرق سوريا.
واتهمت طهران إسرائيل بالوقوف خلف عمليات تخريب لمنشآتها النووية، إضافة إلى اغتيال عدد من علمائها على مدى الأعوام الماضية.
عودة العقوبات وتلاشي القيود
فرض اتفاق 2015 قيودا صارمة على الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الدولية. وخفضت الاتفاقية مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، ولم يتبق لها سوى كمية صغيرة بدرجة نقاء تصل إلى 3.67 بالمئة، وهي نسبة بعيدة كل البعد عن درجة النقاء المستخدمة في صنع الأسلحة وهي 90 بالمئة تقريبا.
وقالت الولايات المتحدة حينئذ إن الهدف الرئيسي هو زيادة الوقت الذي ستحتاجه إيران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية، وهي أكبر عقبة في أي برنامج للأسلحة، إلى عام على الأقل.
وفي سنة 2018، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق، وأعاد فرض عقوبات على طهران أدت إلى خفض مبيعاتها النفطية وألحقت الضرر باقتصادها. وفي عام 2019، بدأت إيران في التخلص من القيود على أنشطتها النووية ثم ذهبت إلى مدى بعيد في تجاوزها.
وفي الوقت الحالي، لا تلتزم طهران بالقيود الرئيسية المفروضة بموجب الاتفاق، بما في ذلك أماكن التخصيب والآلات المستخدمة فيه وإلى أي مستوى يمكنها تخصيب اليورانيوم، فضلا عن كم المواد التي يمكنها تخزينها. وبدأت إيران عدم الإلتزام تدريجيا بالقيود بسبب عودة العقوبات المفروضة عليها بعد الانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق في عهد ترامب.
ووفقا لأحدث تقرير ربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة التي تفتش منشآت التخصيب الإيرانية، فقد بلغ مخزونها من اليورانيوم المخصب 5.5 طن في شباط/فبراير، بعد أن كان قد تم تحديد سقف له عند 202.8 كيلوغرام بموجب الاتفاق.
وتقوم إيران الآن بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، ولديها كمية من المواد المخصبة إلى هذا المستوى تكفي، في حالة تخصيبها بدرجة أكبر، لصنع سلاحين نوويين، وفقا للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويعني هذا أن ما يسمى “زمن الاختراق” بالنسبة لإيران، وهو الوقت الذي تحتاجه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية، يقترب من الصفر، فقد يستغرق على الأرجح أسابيع أو أياما.
وتقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقع التخصيب المعلنة في إيران وهي محطة فوق سطح الأرض، ومحطة أكبر تحت الأرض في مجمع نطنز، ومنشأة أخرى داخل جبل في فوردو.
ونتيجة لتوقف إيران عن تنفيذ عناصر الاتفاق، لم تعد الوكالة قادرة على مراقبة إنتاج إيران ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي، كما لم يعد بإمكانها إجراء عمليات تفتيش مفاجئة. وأثار ذلك تكهنات حول ما إذا كان بإمكان إيران إنشاء موقع سري للتخصيب، ولكن لا توجد مؤشرات محددة على وجود مثل هذا الموقع.
السلاح النووي المحتمل
بغض النظر عن تخصيب اليورانيوم، فهناك سؤال حول المدة التي ستستغرقها إيران لإنتاج الجزء الباقي من قنبلة نووية، وربما تصغيرها بما يكفي لوضعها ضمن منظومة إطلاق مثل الصواريخ الباليستية إذا أرادت ذلك. ويصعب تقدير ذلك لأنه من غير الواضح مدى المعرفة التي تمتلكها إيران.
وتعتقد أجهزة المخابرات الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت تمتلك برنامج أسلحة نووية منسقا أوقفته عام 2003. وخلصت الوكالة في تقريرها عام 2015 إلى أن إيران عملت على تطوير قطاعات من برنامج للتسليح النووي واستمر بعض العمل حتى أواخر عام 2009.
وتنفي الجمهورية الإسلامية امتلاك برنامج أسلحة نووية، رغم من أن الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي قال إنه إذا أرادت طهران ذلك “فلن يكون بوسع زعماء العالم منعنا”.
وتختلف تقديرات المدة التي ستحتاجها إيران للحصول على سلاح نووي بين أشهر وعام تقريبا.
وفي آذار/مارس 2023 شهد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة آنذاك الجنرال مارك ميلي أمام الكونغرس بأن حصول إيران على سلاح نووي سيستغرق عدة أشهر، رغم أنه لم يذكر ما يستند إليه هذا التقييم.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها ربع السنوي الصادر في شباط/فبراير من هذا العام إن “التصريحات العلنية في إيران بشأن قدراتها التقنية على إنتاج أسلحة نووية تزيد من مخاوف المدير العام بشأن صحة واكتمال الإعلانات المتعلقة بالضمانات الإيرانية”.
وقال دبلوماسيون إن تلك التصريحات شملت مقابلة تلفزيونية مع الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي شبه فيها إنتاج سلاح نووي بصنع سيارة، وقال إن إيران تعرف كيف تصنع الأجزاء اللازمة.
فرانس24/أ ف ب /رويترز
Source link