ثقافة وفن
الرواية الكلاسيكية المتجددة المشوقة الفسيحة العميقة.. هي المطلوبة اليوم
حاوره/ علاء المفرجي
- 2 –
ولد الروائي برهان الخطيب في محافظة بابل عام 1944 وأكمل فيها تعليمة الابتدائي والثانوي. كان والده حسن الخطيب خريج أول دورة لتعليم اللغة الإنجليزية في العراق ثلاثينات القرن العشرين، وعمل طيلة حياته مدرسا للإنجليزية وتقاعد كمدير مدرسة، ووالدته فاطمة كريم الهاشمي من رائدات الحركة النسوية في العراق.
نشر الخطيب أول قصصه بمجلة الأحداث اللبنانية عام 1959 كما عمل في الستينات في الصحافة العراقية واللبنانية ونشر بها قصصًا قصيرة وترجم عن الإنجليزية، ثم انتقل إلى بغداد مع أسرته، وتخرج في كلية الهندسة العراقية بعد دورة تدريبية في مصر، حيث درس في دورة ضباط الاحتياط من سبتمبر 1967 إلى آذار 1968. صدر أول كتاب له عام 1967، وهو مجموعة قصص بعنوان “خطوات إلى الأفق البعيد”، عن دار آل البيت في كربلاء واستقبلته الصحافة العراقية جيدًا. وفي العام التالي صدر له “ضباب في الظهيرة” وهي رواية عن دار الغري في النجف، وفي نفس العام نشرت قصته “الشرف” في مجلة الكلمة، والتي بسببها أُحيل برهان إلى المحاكمة بسبب “تعرض القصة للقيم والوضع السياسي”، ثم أغلقت الدعوى بتدخل الوزير شاذل طاقة.
عمل الخطيب مهندسًا في وزارة الإصلاح الزراعي من عام 1968 وحتى عام 1969. وأوفد إلى موسكو عام 1969 وكانت له عمة تدرس في روسيا مع زوجها، وساعدته عمته على البقاء في موسكو، فتخلى عن الهندسة هناك، والتحق بالمعهد الأدبي للكتاب، ونال الماجستير بتقدير امتياز سنة 1975 ثم عمل فترة للحصول على إقامة، مترجمًا للأدب حتى عام 1986، وكانت حصيلة إنتاجه في تلك الفترة ثلاثة عشر كتابًا مترجمًا، إلا أن اهتمامه الرئيسي كان الرواية والقصة والمقالة كتأليف وبحث، وكتب أكثر من دراسة وكتاب عن القصة العربية العراقية. وراسل الخطيب مجلة الأقلام الأدبية وألف باء العراقية والآداب اللبنانية وغيرها. كما عمل الخطيب مراسلاً لمجلة وزارة الإعلام العراقية الأقلام من 1975 إلى 1980، وكتب أطروحة دكتوراة في القصة العراقية بمعهد الاستشراق الروسي وناقشها.
يرى د. نجم كاظم أنه يمكن اعتبار برهان الخطيب كاتبًا ستينياً (أي بدأ مسيرته الأدبية في ستينيات القرن العشرين))، بسبب تجربته الروائية الأولى “ضباب في الظهيرة” التي صدرت في أواخر الستينيات، وما وصفه بـ”بقاء أنفاس هذا التيار تتردد بهذا القدر أو ذاك في أعماله التالية”، بالإضافة إلى انتماء روايته “شقة في شارع أبي نواس” (التي يراها كاظم أهم أعماله) بدرجة ما إلى الستينيات. وصف د. كاظم “ضباب في الظهيرة” بالمحاولة التجريبية المتواضعة فنّاً وإنجازاً، إلا أنه يرى أن “شقة في شارع أبي نواس” الصادرة بعد 5 سنوات منها تعد “تجربة جديدة أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها جميلة”، ورأى فيها “تميزاً فنياً واضحاً مقارنة بتلك المحاولة الأولى”، كما عززتها تجربته الثالثة عام 1975، “الجسور الزجاجية”.
في سنة 1972، صدرت روايته “شقة في شارع أبي نواس” عن دار العودة في بيروت، ومُنعت من النشر في العراق وسوريا. تبعتها روايته “الجسور الزجاجية” عن دار عويدات في بيروت أيضًا عام 1975، ومنعت في العراق مرة أخرى، وتكرر ذلك في رواياته اللاحقة.
في 1986، استقال الخطيب من عمله في دار نشر التقدم بروسيا بعد تعرضه لمضايقات هناك وسجنه دون محاكمة، وغادرها عن طريق سوريا إلى السويد للإقامة، ومنح حق اللجوء السياسي، ثم أسس دار أوراسيا للنشر، ثم حلها بعد عدة سنوات متفرغًا للعمل الأدبي. وواصل الكتابة في الصحف الصادرة في لندن وبغداد في الأدب العربي والشأن العراقي والتأليف الروائي.
صوَّر الخطيب حياته في موسكو في رواية “سقوط أسبرطة أو حب في موسكو”، وشملت شخصيات الرواية “الألة السوفيتية البيروقراطية” وتوقع الخطيب سقوط المعسكر الاشتراكي وسيطرة القطب الواحد، كما صوّر في روايته “غراميات بائع متجول” قصة حب فتى عربي وفتاة روسية، وتتطور الأحداث بإيقاع غني بتفاصيل الحياة اليومية الاجتماعية والسياسية، وانتهت الرواية بخاتمة غير متوقعة.
وُصف أسلوبه الأدبي بالمعتمد على التشويق الفني و”عرض التجربة الحياتية للإنسان العربي على خلفية غنية بالتفاصيل يصور من خلالها حالات إنسانية عامة”، وقد مزج الخطيب في أعماله، بين هموم الذات المتطلعة الشابة الممتلئة بالحس النقدي وبين الهموم الاجتماعية والسياسية الممتلئة بها شوارع الحياة وفروعها المحلية.
كتب عنه نقاد عديدون منهم الناقدة العراقية فاطمة المحسن والتي ترى أنه كان واحدا من “القلة التي لم تقع في الفخ الآيديولوجي، ولم ينظر إلى الرواية باعتبارها معبرة عن هدف اجتماعي أو سياسي”. وتعتبر المحسن أن برهان الخطيب، من أبرز الكتاب العراقيين في الخارج الذين أعطوا تصوير الأحداث التاريخية اهتمامًا واضحًا في أعمالهم، وتلاحظ أن الحدث التاريخي في أغلب رواياته، هو مركز تدور حوله حبكة الرواية، وتُرسَم ملامح الشخصيات والوقائع من خلاله. ووصفت مارينا ستاغ روايته الأخيرة “الجنائن المغلقة” بأنها “رواية عربية من طراز أصيل رفيع”. وأشادت شاشتين أكسل بروايتيه “الجسور الزجاجية” و”بابل الفيحاء”. وفي تحليله لرواياته، يرى الناقد عدنان حسين أحمد أن برهان الخطيب قد “غاص عميقًا في مسألة الوجود الإنساني ورصد قضايا كبيرة كالحرب الباردة والتجسس الصناعي كما تنبأ بأفول المعسكر الاشتراكي وولادة القطب الواحد الذي يتحكم بمصير البشرية”.
وماذا بعد العودة الى موسكو - أعود إلى موسكو بعدها بجواز سفر مزيف إلى ولدي، آخر في الطريق يخبرني غائب فرمان قادما إلي هو الذي لا يسافر، حاملا رسالة من الثانية، يشجعني على العودة بأي طريقة، أحمل مخطوطة ليلة بغدادية بيدي جواري متخوفا فقدانها تاركا حقيبة سفري إلى بقية حقائب المسافرين، في مطار الوصول تختفي الحقيبة، سرقت فعلا، عوضتني الإدارة عنها 400 روبل ما يعادل ثمن ترللي، معها أفقد مخطوطة أخرى (أزهار الأسفلت) الحاصل تنجو مخطوطة (ليلة بغدادية) التي أبقيتها في كيس بيدي لأعود إليها استكمل بناء عمارتها الفنية. في موسكو البريسترويكا التغيير على أشده، أعمال تتهاوى غيرها تقام، صارحت دائرة الهجرة الجواز مزيف، مديرها قال لم أسمع هذا، نصف عام في بيت الثانية، قبل الولادة انتقل إلى السويد على عزم العودة لاصطحابها، هكذا أفعل، في مطابع دار النشر التي عملت لها سابقا، أتمكن من نشر الرواية مع غيرها تحت اسم دار جديدة (أوراسيا) أسستها في ستوكهولم، في موسكو أرادوا وقتها تسمية الاتحاد الفدرالي الروسي الجديد إتحاد أوراسيا، لكن تسمية دار النشر الجديدة تبعي أبطلت الفكرة قالوا لي، عموما أخبرني أيضا محررون هناك أن الانتقال من النشر السوفييتي الصارم إلى الليبرالي الجديد بدأ مع كتبي عارضين طبع المتوفرة معي بأعداد كبيرة في أفضل إخراج مقابل مبالغ معقولة، بيعت في ذات معارض دار النشر السابقة وغيرها حسنا، أحد المترجمين نقل لي أنه لم يدخل بيتا هناك فيه قارئ بالعربية إلاّ وشاهد تلك الروايات أو بعضها على رفوفهم. نقلت منها إلى ستوكهولم عددا محترما في رحلة متوترة أيضا حصيلتها رواية أخرى (غراميات بائع متجول) طبعت في مصر.. ابني الأصغر ليث يلومني: تصرف من وقتك على كتبك أكثر مما علينا. الأكبر حسن يخزره بغضب.. يلتفت إلي.. يفهم مني: لا ترد عليه.
إذن ما الذي تعتقده أن يكتب عن المرحلة الراهنة في تاريخ العراق السياسي؟ - سؤال كبير آخر. الكتابة عن انطباعات شخصية ورغبات عابرة في هوس غامر تنقرض مع صاحبها. الكتابة عن حرص على مستقبل العالم ضمنا الوطن الذات المدركة تعمر. يعني يجب توفر رؤية صائبة إلى مركز ومحيط. ما هي الصائبة سؤال صعب لا بد منه. كل واحد يعتبر نفسه على صواب. لكن الصواب للعموم أكبر، يتضمن الفردي، إلا إذا الهدف ترك الجميع يتقاتل دائما كما عشنا للسيطرة عليهم، حلبهم. تعايشهم إذن يتطلب استراتيجيا مدروسة منهم لهم، أي نظر بعيد يستوعب تطلعات مجموعات مختلفة، لها أهداف خاصة متضاربة أحيانا، يستوعب التصرف الشخصي ضمنا الآخر وصولا إلى رضا الجميع. باختصار احترام المقابل المختلف أساس العيش على قاعدة التعايش، هذا مطلوب في الأدب كما في السياسة، لكن التعايش الأساس السلمي الكبير انهار مع اغتيال أو انهيار الاتحاد السوفيتي، فماذا بقى للعالم؟ حرب باردة بين عمالقة تسخن تدخل كل بيت، بيت الكاتب ضمنا، فماذا يكتب؟ قبل نصف قرن نشرت (الجسور الزجاجية) عن (بيت عراقي يتهدم) على غلافها فهل يكتب اليوم عن رؤية من انضمام إلى طرف يريد العالم واحدا، أو طرف آخر يريد كل واحد يحفظ خصيته، أقصد خصوصيته، مجابهة هنا هناك تفرض حلا في النهاية، إما دمار نووي كبير أو اتفاق على تقسيم جديد للعالم، انكباب كل منطقة على نفسها. رأي محايد آخر يصعب بلورته في هذا التوتر. العراق ما يزال جزءا متحركا من العالم كما كان، يجب تبين إلى أين العالم لمعرفة مسار بلدنا، معه كتاباتنا، العالم تدري تغير، شكله محتواه، تأثيرات الخارج على الداخل العراقي كثيرة، كما على كل مكان، سابقا يختار مؤلف تهويمات غرب أو حلم اشتراكية شرق يسوق قلمه، بعد سقوط السوفييت ساد ظن سوف نعيش في عالم ليبرالي واحد، لكن وجود القوة النووية في أكثر من مكان و قيم مختلفة هنا عن هناك أعاد التحدي إلى الواجهة، تحول التعايش السلمي إلى تعايش عدمي بين العمالقة، في ظله يجد الصغار مكانا وقتا لإظهار أنفسهم، المحلي مرتبط بالعالمي درس السياسة الأول، له لون آخر اليوم، بل ويمكن للمحلي التأثير في العالمي، كما العالمي فيه، حسب الجغرافيا الاقتصاد، لتحديد مسار جديد لتأريخ منطقتنا مصلحتها استقرارها بعد عقود من عدم الاستقرار.. هذا مشهد خفي ظاهر أو خلفية عميقة سوف تلوح وراء أي مسرح روائي بعد اليوم، غيابها يعني تقصير من العمل الأدبي..
قلت مرة ” الملاحظ اليوم استعادة الرواية الحديثة بعض سمات الرواية الكلاسيكية، تندغم معها في شكل متجدد، سميته الرواية الذهنية”، هل ذلك سبب الطابع الكلاسيكي الذي سمت به أكثر رواياتك أم أن لك راي اخر؟ - الرواية الذهنية مضبوط. . الكلاسيكية المتجددة المشوقة الفسيحة العميقة.. هي المطلوبة اليوم، حاضنة الخاص والعام، الماضي والحاضر، مستشرفة المستقبل الصعب عبر شخوصها المنوعين المختلفين، فأحداث العالم اليوم أكثر من الأمس تشق وتدخل بيوتنا ذكرت.. تمزق العائلة.. ندري لا ندري.. تتركنا نجابه الأقدار وحيدين من غير ضمانة انتصار أو تفاهم مقبول. رواية تسرد عن الشخصي الحديث المتجدد دون أن تغفل عن إطار وصعوبات الحدث الكبير حوله.. الكلاسيكي.. الطبقي لكن المبطن الخفي.. باحث أجنبي متقدم يقرأ روايتي (الجسور الزجاجية) يطلع منها باقتباس أو درس: يا برهان أنت مصيب بعيدا حين تذكر فيها أن العالم كان وسيبقى سادة وعبيد! آخر قرأها سياسي كبير، أيضا أجنبي، أذهلته نهايتها: تلخص حكاية البشر.. مصادرة الحلم.. انكسار المعلوم تحت مجهول.. لم أناقشهما. . لكل قراءته.. على الغلاف الخلفي للرواية تلخيص: حين صدرت (الجسور الزجاجية) أول مرة في بيروت 1975 لم أتوقع لها أن تكون رصدا لانهيار أيديولوجيا كبرى في هذا العصر مثلما لا أتوقع لها الآن أن تكون رصدا آخر لانهيار أو قيام وهم آخر من مسلسل أوهام حياتنا المتعدد المتداخل حولنا حلقات في حلقات..
إذن الرواية يجب أن تعمل على كشف خفايانا، المصارحة، رفع الفعل المدرك الحر حقا أمثولة، من غير الوقوع ثانية في أحابيل سياسة وألاعيب لا تنتهي..
من ناحية الجوهر لا زلت أرى التاريخ يسير على سكته المعتادة، قوى كبرى تحركه، صغرى تناور لتكسب، الجديد أن الإنسان الفرد بدأ، نتيجة تنامي إدراكه مع انشقاق العالم مجددا، توزع نظره في أكثر من اتجاه، يرى حركة التاريخ من خارجها أيضا قادرا على التحرر منه بدل انقياده السابق له تلقائيا حسب موقعه الطبقي، القومي، صراع طبقي أو قومي لم تعد البيئة الثقافية الجديدة تفرض على مثقف قبوله، الصراع الحقيقي أكبر منهما، شبه لعبة يراها البعض، بالتالي اتخاذ موقع له على رقعة شطرنج بلا حدود في لعبة سادة بلا جدود لا نراهم.. يعني حدود الرواية تتسع.. أشخاصها أكثر حرية.. رغم قيد خوف حولهم.. المستقبل فيها أكثر غموضا.. حتى تتضح أكثر تعقيدات معارك اليوم الدولية.
مكتبة فرانكلين المرموقة الأميركية صنفت روايتك (الجنائن المعلقة) الصادرة عام 2000 كونها وثيقة حكومية.. هل ذلك بسبب صياغتها كنوع جديد من السرد الفني (رواية سيرة)؟ - لا أعلم عن دوافع المكتبة لذلك التشخيص العميق لكنه لم يفاجئني لأنني سعيت منذ أول سطر إلى جعلها أشبه بوثيقة فعلا، لكن فنية تستوعب حكاية العراق والعالم في مرحلة انعطاف كبير. العبرة هنا كيف استطاعت مكتبة بعيدة عنا الانتباه إلى مسار الرواية وأهميتها واحتضنتها على رفوفها وقت غفلت بل غفت مكتباتنا المحلية ونقادنا العباقرة قربها، نعم كتب أساتذة عنها كثيرا في الخارج وقت صدورها قبل ربع قرن استخرجوا من بطونها عناوين كبيرة تنبه إلى تغيرات حاسمة نعيشها وتنتظرنا، إلى أن العالم يغادر حالة القطب الواحد إلى تعدد الأقطاب، غير ذلك من تغيرات جوهرية في الداخل العراقي خارجه نمر بها. سكوت العباقرة في الداخل آنذاك سكونهم عنها عن غيرها اليوم معهم الشؤون الثقافية التي أعادت نشرها بعد ستة أعوام ثم أرسلوا طلبا أو إخبارا إلي عن رغبتهم إعادة نشر جميع رواياتي قدمتها إليهم بعد مراجعتها وإعادة كتابتها بقلمي.. إنما عادت الشؤون بعد تغيير سادة فيها تثير الشجون.. إلى شخير وضح نهار يثير أثقل الظنون..
مكتبة فرانكلين مرموقة حقا انتبهت إلى روايات أخرى لي أسكنتها فسيح ربوعها، لكنها لم تصنفها وثيقة حكومية كما فعلت مع (الجنائن) رغم إتباعي ذات المنهج في كتابتها بدقة وحرص على الموضوعية الخصوصية الشمولية العمق، ذلك ربما لاعتبار أن الخيال في الأخيرة له دور أكبر مما في الجنائن المعتمدة على وقائع معروفة.. ويأتيك واحد من زاوية، لا زيوة الجميلة شمالنا، ينصب نفسه كاتب العراق الأول.. معلوم.. كتاب العرائض لم ينقرضوا.. حالة جهل ما زالت متفشية.. يبحثون عن أسبابها غالبا في غير مواقعها..
تجنح في أغلب روايتك الى توثيق حدث تاريخي معين، في روايتك الأخيرة (عابر قارات) عن فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لتؤرخ بها اكثر من عشرين عاما قضيتها في هذا البلد.. ما تعليقك؟ - حدث كبير غير عادي مثل سقوط دولة السوفيت أو قيام جمهورية العراق، ثم الانقلاب عليها أكثر من مرة، يجتذب نظر واهتمام كاتب ينحدر عن كلكامش حريص على وضع أبناء بلده والعالم في أفضل حال، ولو عن طريق تلمس وتقديم مختصرات ودروس الماضي إلى الحاضر، التجاهل هنا يعني الصحة الثقافية والطموح المعرفي للأديب متدنية، هكذا كنت لا أجنح بل أسعى وأنجح، طبقا لردود الفعل من المهتمين، في توثيق في لملمة جواهر مرحلة معينة ذات انعطاف تاريخي مؤثر على التطلعات الشخصية لأبطال مدركين، لهم أحلام تغيير، حب، على مسرح أحداث جسام حولهم تنحت فيهم محاولين النحت فيها أقوى يدرون لا يدرون بلدهم يتحرك معهم فوق السطح تحته إلى مرتبة جديدة من تأريخه المنظور.. التقاط صورة فسيحة بالكلمات لهكذا مشهد فسيح يصير لا بد منه عند كاتب له ضمير ورؤية.. ذلك ما فعلته مستهلكا جزء من عمري في انجاز (عابر قارات) كما فعلت عند تناول رواياتي الأخرى عن مراحل أخرى من تاريخنا.. إطارا لتطلعات إنسانية عامة.. متكررة خالدة..
أثناء إنجاز كل رواياتي كنت أشعر أيضا بلا مبالغة أني أتبارى مع كل الكتاب في كل الأمكنة والأوقات. هذه ليست مباهاة طبعا، أول كتاب صدر لي والدي عرف عنه من زملائه، عاتبني مريرا على كتماني، إلى آخر رواية تخابرني والدتي قبل رحيلها مؤخرا تعاتبني على إخفاء ما تجده لي في مكتبة بيتنا: أجمل منه لم أقرأ.. وتخفيه عني!